Page 40 - merit 41- may 2022
P. 40
فالاستعارة عمو ًما ليست هي استبدال صورة الفضاء الشعري تجسيد لقوى مادية
مجردة بأخرى محسوسة ،بل العكس هو الصحيح،
(أماكن -أحياز -مؤثثات )..وروحية
وبالتالي عندما تعمل «الاستعارة الفضائية» في
الشعر على «تفضيء» شيء ما(( )14أي إضفاء (أحاسيس -انطباعات -قيم )..عبر ما قد
الخصائص الفضائية عليه) ،فإنها تنزاح عن
الدلالات المكانية الاعتيادية للكلمات ،ولا تلزم نطلق عليه جزا ًفا بـ"التشبيك الدلالي"،
نفسها بما هو متداول ،فتصير بالتالي الصور ذات
البعد المكاني غير معنية بأن تتناسب أو تتنافر مع أي بناء المعنى الفضائي ،ليس فقط
الصور المسكوكة التي تجعل مث ًل من المنزل فضا ًء
للحميمية والألفة والطمأنينة ،والشارع فضا ًء عا ًّما بواسطة الإحالة على الدلالة المرتبطة
ومشتر ًكا وصداميًّا .ثم وحتى وهي تصور فضا ًء
معينًا باستعمال ألفاظ ذات دلالات فضائية مثل بالحس المشترك والعقل الجمعي ،أو
أعلى وأسفل ،فإنها تؤشر على مواضعات اجتماعية
على مرجعية الدليل المتوا َطُأ عليها
ليس مطلو ًبا من الشاعر المواطئة عليها.
وهنا نجد كما أشرنا سال ًفا أن المؤشرات الفضائية لسان ًّيا وثقاف ًّيا ،ولكن بربط دلالة الفضاء
وأسماء الأماكن لا تلعب داخل بنية الفضاء والأماكن كذلك بتاريخية ِف ْعَل ْي إنتاج
الشعري سوى دور ثانوي وأداتي ،خصو ًصا
إذا ما قارناها بما يطلق عليه «جورج ماطوري» وتلقي النص الشعري
بالتماسات الإنسانية ،وهي فعل وجودي مغرق
في الذاتية ،لا تربط ميكانيكيًّا بين فضاءات بعينها «شعر ًّيا» بناء على الروابط التي تجمع هذا الفضاء
ودلالات جاهزة ،بل تعمل على صوغ دلالات بموضوع القراءة (أي القصيدة) ،متوس ًل بفهم
فضائية خاصة ذات بعد أنثروبولوجي وثقافي تأويلي يسعى لبناء الدلالة وليس البحث عنها في
ثنايا النص.
ونفسي .فالألفة والعزلة ،والتجمع والتفرق،
والانجذاب والتنافر ،كلها تماسات إنسانية تحمل وإذا كان الفضاء الشعري ينتج بالتالي عن التفاعل
حت ًما دلالات مكانية صريحة أو ضمنية ،لكن هذه التشاركي بين النص والقارئ النموذجي ،ويتبدى
الدلالات غير ثابتة ،إذ لا تتغير فقط من نص لآخر، كبناء ثقافي ومادة ذات طبيعة سيميائية( ،)12فإنه
من الضروري التساؤل حول طبيعة هذه العلاقات
بل تتنوع وتتغير كذلك حسب السياق ،وبالتالي البنائية والتشييدية المتحكمة في بناء الفضاء ،وحول
يصير البعد الفضائي والمكاني داخل النص مرهو ًنا
باللغة الشعرية ذاتها من جهة ،وبمدى القدرة على التماسك الذي نسلم بوجوده عادة بالنسبة لهذا
البناء الذهني المسمى فضا ًء شعر ًّيا.
تأويل وبناء دلالتها من جهة ثانية.
وفي هذا الصدد نؤكد على أن الشبكة الدلالية إن الفضاء حسب تعبير «فيسجربر» طريقة
الخاصة بالفضاء الشعري ُتن َس ُج من خلال وأسلوب في معايشة المكان الذي يتشكل على السواء
الاستعارات الفضائية ،فهي وحدها القادرة على
تجسيد هذا الفضاء ،فخارج هذه الاستعارات لا من الظواهر الروحية والأشياء المادية( .)13وهذه
يمكن الحديث إلا عن أماكن مسطحة وهلامية المعايشة تتدفق من منابع اللغة التي هي جسم
الملامح ،لا تحمل دلالات فضائية في ذاتها ،فسميح وروح القول الشعري ،وعليه تصبح ما يمكن
القاسم مث ًل عندما يقول في قصيدته الشهيرة تسميتها تجاوزا بـ»الاستعارة الفضائية» فاع ًل
«أمشي»« :قلبي قمر أحمر ..قلبي بستان» ،فكلمة أساسيًّا في تشكيل الفضاء الشعري ،لأن هذا الأخير
بستان هنا لا تحمل أي دلالة فضائية ،بل الصورة لا يتشكل من المؤشرات والمحددات المكانية الدالة
على الفضاء ،والتي ما على القارئ سوى جردها
وترتيبها وتبيان دلالاتها لبناء هذا المكون النصي،
بل الأمر أكثر تعقي ًدا مما يبدو.