Page 37 - merit 41- may 2022
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
واقع معين ،وهذه التجربة هي ما سميناه سال ًفا تشكيليًّا إما تجسد ًّيا أو تجريد ًّيا لفكرة الباب،
بالفضاء المعيش .فما هي محددات هذا الفضاء؟ وما فالشاعر هنا يقتصد في كاليغرافية قصائده مو َّجها
بوعي رصين بمحددات الفضاء المحاكي الذي
خصوصياته في تجربة العمراوي؟
-2الفضاء المعيش يعمل على تمثيل الأفعال والأحاسيس ومحاكاتها
وتمديد حميمية المكان:
بالاشتغال على كاليغرافية الكلمات ،ويتبدى ذلك في
النموذجين التاليين لا الحصر:
التحليل بمختلف مستوياته لا يضمن الإمساك «مد يدك أيها الرجل
بهذا الملتبس والزئبقي المسمى بالفضاء الشعري،
خصو ًصا وأن «الإلقاء الخطي المنظم والمتوالي زمنيًّا التمس حلمتيها
يجعل الإدراك الشامل لكلية هذا العالم صعبًا»(.)6
وهناك شيء آخر يجعل إدراك الفضاء أم ًرا عسي ًرا طــال شتـاتـك» (ص)21
هو أن هذا الإدراك بدوره نسبي ومتحول ومغرق
في الذاتية ،فقد أكدت التصورات الظاهراتية على «طاقية العجوز المدورة في وسط الرأس
الطابع المتغير لمقاربة الفضاء ،لأن هذا الأخير لا
يتبدى كمحيط يغلف حياة الفرد ،ولا كمكان مغ َل ٍق تنشد الرغبة في شيء ما
و ُم ْن َت ٍه ،بل يبدو كبؤرة للتصورات والتمثلات التي
تستطيــل الصـفـوف» (ص)28
تتناوله.
إن الفضاء وفق المفهوم الظاهراتي ليس مع ًطى فالعمراوي يعمد لتطويل كلمات بعينها والتي تفيد
جاه ًزا وناج ًزا ،بل هو فضاء يتشكل من الرؤى
المختلفة والمتعددة والتي تتضافر من أجل تحقيق الطول (طال -تستطيل) ،وهذا أمر منطقي للدلالة
إدراك محدد .هذه الرؤى الذاتية من حيث طبيعتها،
تصبح بفعل التداول والتجربة مشتركة دون أن على الاستمرار في الزمان والمكان عبر تطويل
تفقد فرادتها ،وبالتالي فالفضاء المعيش هو نتاج
تضافر رؤية الذات للعالم مع كل الرؤى الممكنة. الكلمات ،مما يجعل معنى الطول يتناغم دلاليًّا مع
وهذا الفضاء يتسم بالقدرة على التحكم في إدراك طول الكلمات الدالة عليه.
المحيط ،فأن نعيش فضا ًء يعني أن نمتلك منظو ًرا
نتمكن من خلاله من إدراكه ،فرؤية الأشياء ليس كما يختار كذلك ترصيف بعض كلماته بشكل
في الحقيقة إلا تعيينًا لها« ،والتعيين في الفضاء
ليس ملم ًحا طار ًئا ،بل هو وسيلة تجعل الذات تعي عمودي للتعبير على نوع من النزول أو السقوط:
نفسها كموضوع»(.)7 «وأوراق «مهما
فإذا كان الفضاء المعيش نات ًجا عن إدراك الذات
للعالم ،فإنه يتحدد من خلال المنظور الذي يسمح تتساقط الأول
للذات بالتقاط الأشياء التي تحيط به ،فكل منظور
إذن هو بالتالي نوع من التموقع الذي ليس من من هاء
الضروري أن يكون اختيار ًّيا ،لكن يجب أن يكون
محد ًدا بشكل قبلي .ومن هنا نؤكد مع «موريس والآخر كل
ميلوبونتي» على أن الفضاء ليس «المكان (الحقيقي
أو المنطقي) الذي تتموضع فيه الأشياء ،بل هو ناحية» (ص ) 73واوه» (ص)145
ورغبة الشاعر في إعادة تزمين القصيدة عبر
استثمار الفضاء الطباعي للصفحة من خلال كل
أدوات التلفظ المتاحة ،بما فيها علامات الترقيم،
تدفعه لتوظيف هذه العلامات بطريقة تشكيلية في
بعض الأحيان كما يبدو في الشكل التالي (ص :)89
صمت يتدلى
صمت.
......صمت..........
.........................
إن الفضاء النصي عند أحمد العمراوي يستثمر
ويوظف فضا ًء نصيًّا وطباعيًّا له سمات ومميزات
محاكية ،وليس مجرد حشو شكلي على هامش
النص .لكن التجربة الفضائية لا يمكن اختزالها في
مجرد الاشتغال على فضاء الصفحة ،لأن الشاعر
يعايش الفضاء كذلك كإطار مرجعي يحيل على