Page 33 - merit 41- may 2022
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

      ‫في الحديث عن تفصيلات لقاءاتها مع سيدها‪،‬‬         ‫الحكاية‪ ،‬فتقود دفة السرد وتحكي الحكايات‪ ،‬وعبر‬       ‫هوجة‬
 ‫وكان أبي يسخط ويضرب رأسه في الجدار وعمي‬              ‫الحكاية تنقل إلى الرجل المعرفة‪ ،‬وعبر المعرفة تنتقل‬  ‫عرابي‬

    ‫منصور يتوارى ويبكي‪ ،‬وحتى لا تخوض أكثر‬                            ‫بوعيه من مستوى للوعي إلى آخر‪.‬‬
  ‫تحاول أمي إسكاتها‪ ،‬لا يقترب منها إلا أنا‪ ،‬أجلس‬      ‫إن النساء في النص فاعلات لهن مواقف فاعلة حتى‬
                                                      ‫وإن كن خادمات‪ ،‬على عكس الرجال الذين يفتقدون‬
                              ‫بين قدميها وأبكي‪.‬‬       ‫للوعي وللموقف الدرامي‪ ،‬فهم مفعول بهم في النص‬
                            ‫أنت مسكونة بجدتك‪.‬‬
                                                         ‫على غير عادة نمطية السرد التقليدي‪« :‬ظهرت في‬
                                 ‫نظرت داخلها‪..‬‬          ‫سماء الرواق نجمة تلألأت بشدة‪ ،‬فقالت معالي إن‬
      ‫أتذكر تلك الليلة المشؤومة التي أبكيتك فيها؟‬
 ‫جدتي سيادة سبقتني‪ .‬قالت إنها أبكت سيدها عبد‬                  ‫الليل انتصف‪ ،‬وقال الأستاذ منجي معان ًدا‪:‬‬
‫الباسط‪ ،‬الفارق الوحيد أنها فرحت أنها أبكت الرجل‬                   ‫‪ -‬كل هذا لا يجعل مما أسمعه حقيقة‪.‬‬
 ‫الذي أبكى الجميع‪ ،‬أما أنا ففرحت لأنني استطعت‬                                    ‫قالت بأنفاس متهكمة‪:‬‬
 ‫أن أفعل‪ ،‬فقط من أجل نفسي‪ ،‬أردفت وهي تبتسم‬
                                                       ‫‪ -‬من قال إننا جئنا ننشد الحقيقة! أنا حكاءة وأنت‬
                                       ‫في أسى‪:‬‬            ‫رجل تسمع الحكايات‪ ،‬شهرزاد وشهريار الملك‪.‬‬
 ‫‪ -‬أنتم محظوظون يا آل أرسلان‪ ،‬كما يقولون هي‬               ‫عندما جاءت على ذكر حافظ شعر بدبيب خوف‬

    ‫مسألة قانون‪ ،‬الجمال بسيط وفيه غفلة‪ ،‬والقوة‬         ‫قادم من بعيد‪ ،‬وتمنى ألا تأخذه أكثر إلى حكاياتها‪،‬‬
 ‫قادرة‪ ،‬فيها فراغة عين‪ .‬جدتي كانت في عمر أخيك‬          ‫وبقدر ما يريد أن يعرف أكثر بقدر ما يخاف أكثر‪،‬‬
 ‫حافظ‪ ،‬كان أولى بها واحد في سنها‪ ،‬لكن أبوك من‬
‫قطف وردتها‪ ،‬ولما تزوج من روح الفؤاد أمك كانت‬               ‫ساد صمت‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أحيا ًنا كنت أتمنى لو أن‬
                                                        ‫جدتي ماتت قبل أن أولد‪ ،‬أو لو كانت كجدي فتح‬
      ‫في عمر ابنته‪ ،‬هل تعرف ما الذي يعنيه ذلك؟‬
                                    ‫‪ -‬لا أعرف‪.‬‬            ‫الله لا تسمع ولا تتكلم‪ ،‬لكنها كانت تجلس أمام‬
                                                       ‫الدار والذباب يحط على قدميها المتورمتين وتحكي‪،‬‬
      ‫‪ -‬يعنني أننا نفنى في جيل واحد منكم جيلين‬
       ‫مجتمعين منَّا‪ ،‬جيل يخدمكم‪ ،‬وجيل تقطفون‬             ‫لم يكن لديها ما تحكيه سوى هذا‪ ،‬كلما تغشاها‬
                                                       ‫نوبة حزن قوية تحكي‪ ،‬حتى خف عقلها وخاضت‬
                     ‫وروده» (الرواية‪ ،‬ص‪.)258‬‬
   ‫رغم أن الكاتب يراهن على الحكاية وغوايتها كما‬
‫الحال في الروايات الكلاسيكية إلا أنه يمارس ألعا ًبا‬
  ‫سردية من حيث ضمائر السرد واللغة المشهدية‪،‬‬
 ‫والتقطيع السردي والانتقالات الزمنية مما يجعلها‬

      ‫تجمع بين وعي جمالي جديد وحكاية وحبكة‬
                                        ‫تقليدية‪.‬‬

  ‫كما يفيد الكاتب من التراث الشعبي لتلك الجماعة‬
          ‫الشعبية التي يكتب سرديتها‪ ،‬فنقرأ كيف‬

  ‫يفكرون ويتداوون ويمارسون عاداتهم الشعبية‪،‬‬
‫ويتزوجون‪ ..‬وغيرها من عناصر التراث التي تجلت‬

                         ‫في النص بشكل واضح‪.‬‬
  ‫كما يو ِّظف الكاتب أي ًضا الفانتازيا أو ما يمكن أن‬

    ‫نطلق عليه الواقعية السحرية في توظيف الوعي‬
  ‫الشعبي عن الأشباح التي تسكن الدور المهجورة‪،‬‬
‫والرجل الذي تمدد حتى مات ميتة فنتازيا‪ ..‬وغيرها‬

               ‫من الحديث عن الأرواح والعفاريت‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38