Page 36 - merit 41- may 2022
P. 36
العـدد 41 34
مايو ٢٠٢2
المعمار المعتمد في صوغ الصفحة وبناء الفضاء أو ًل :الفضاءات الثلاث وبناء المعنى
النصي للقصيدة ،فإنهما في مطلق الأحوال يعتمدان -1الفضاء المحاكي
أسا ًسا على فعل المحاكاة ،أي محاولة تمثيل شيء،
وجمالية معمار الصفحة:
لذلك تسمى هذه التجربة الفضائية بـ»الفضاء
المحاكي»(.)4 الفضاء الأدبي عمو ًما ينتج أسا ًسا عن التماثل مع
العالم الحقيقي عبر تكييف محددات هذا الأخير مع
كما أن العلاقة بين وضعية الأشياء كما يتم المعايير اللغوية المتداولة عمو ًما ،وليس العكس كما
إدراكها وبين التجربة الكتابية /الخطية تنعكس
على مستوى ثان هو الجانب الدلالي للقصيدة ،ففي قد يعتقد البعض .فالعالم الذي يصوره الخطاب
إطار سينوغرافية الخطاب الشعري يعمل الشاعر الشعري يتم عبر قدر معين من الوصف ،وتتم
على توظيف كل أدوات الفعل الإبداعي وعلى رأسها رؤيته من خلال وجهة نظر محددة .وبالتالي يصير
هذا العالم مرهو ًنا بمدى تزامنيته بواسطة النص
اللفظ ،الذي هو عماد الكتابة الشعرية والمؤثث وداخله ،أي أننا لا نلتقي بهذا العالم /الفضاء إلا
الرئيسي لفضائها النصي والطباعي ،وذلك لبناء في النص وبالنص ،لأن هذا العالم الذي يتم رسم
ملامحه على شكل فضاءات ليس سوى صنيعة
المعنى وتشكيل الإيحاء .فبواسطة اللفظ يقوم الحروف والكلمات .إنه نتاج عملية الكتابة على
الشاعر بتحديد الحقل الفضائي -الزمني لملفوظه،
الصفحة ،ورسم الحروف على أديمها.
ويعمل على ملاءمة الكتابة على مستواها البلاغي إن العلاقة بين حالة الأشياء كما يتم إدراكها وبين
والمجازي مع الشكل الطباعي المناسب( .)5فاختلاف التجربة الكتابية /الخطية تتبدى للوهلة الأولى على
كتابة القصيدة العمودية مث ًل عن نظيرتها التفعيلية
ليس اختلا ًفا طباعيًّا مح ًضا ،بل هو في المقام الأول المستوى الشكلي للكتابة ،وذلك من خلال تنضيد
اختلاف في البنى الدلالية ،فالتواتر الزمني للقصيدة وتوزيع الكلمات على الصفحة .وعندما يقرر
العمودية الموجه بالإيقاع العروضي يشتغل دلاليًّا
الشاعر جعل هذه التجربة الفضائية تجربة أصيلة،
على السمعي والإنشادي ،بينما القصيدة التفعيلة فإنه يخضع تدوين نصوصه لنموذج محدد لما
وقصيدة النثر فضاءان لفظيان أو ًل ،يخاطبان العين نسميه تجاو ًزا بـ»معمار الصفحة» ،إذ يرصف
الأبيات والسطور الشعرية وفق طريقة خاصة،
قبل السمع غالبًا ،من خلال دفع القارئ للتلقي
البصري قبل الصوتي. مع استغلال تشكيلي لعلامات الترقيم ولبنط ونوع
الخط ،وللونين الأبيض والأسود ،لذلك «مهما
لذلك نعتقد أن جعل الملفوظ الشعري يحتل حي ًزا اختلف وعي الشعراء بهذا الأيقون ،فإن محلل
مكانيًّا على الصفحة مرحلة ضرورية في عملية
الخطاب الشعري مطالب باستكناه دلالته ،وأبعاده،
التلفظ أو ًل ،ثم هي ثانيًّا تجربة أولية مع الفضاء، لأنه ليس تحصيل حاصل ،أو حش ًوا يمكن
تدخل في صميم التجربة المكانية والفضائية التي الاستغناء عنه ،ولكنه أحد مكونات الخطاب
يعيشها الشاعر مبدئيًّا على بياض الصفحة ،والتي
الشعري ،فبنية القصيدة مرتبطة -ضرورة-
هي جزء أصيل مما سميناه ساب ًقا بالفضاء بالأيقون؛ وبالمؤشر الكنائي مهما كان نوعهما»(.)3
المحاكي. ومن المعلوم أن تجربة الاشتغال على ما يسمى عادة
وهنا نجد الشاعر أحمد العمراوي لا يغرق في بالفضاء النصي تجربة قديمة ،كان «مالارمي»
شكلنة الفضاء النصي لقصائده ،ولا يذهب بعي ًدا قادح أزندتها في ديوانه «رمية نرد» Coup de
في جانبها التشكيلي ،ليس عج ًزا أو قصو ًرا ،لأنه في ،désثم ذهب بها «أبولينير» إلى أبعد مدى عبر
مجموعته الشعرية السابقة المعنونة بـ»الينابيع» قصائده الكاليكرامية ،التي كان يصور فيها عبر
اشتغل جنبًا إلى جنب مع فنان تشكيلي متميز حتى سطور شعرية متصلة ومنفصلة أشكا ًل هندسية
وأشياء ملموسة .وكيفما كانت طبيعة أو نوعية
صاغا تجربة شعرية /تشكيلية فريدة ،عمادها
اللفظ والشكل ،هذا إضافة إلى أن ديوان «باب
الفتوح» نفسه يضم في بداية كل نصوصه رس ًما