Page 35 - merit 41- may 2022
P. 35

‫‪33‬‬               ‫إبداع ومبدعون‬

                 ‫رؤى نقدية‬

                                                             ‫ومقاربتنا الفضاء الأدبي‬

                                                             ‫عمو ًما والشعري خصو ًصا‬
                                                              ‫تنطلق من فرضية بسيطة‬

                                                             ‫وهي أن الأشياء لا تتخذ‬

                                                              ‫داخل الأدب حج ًما ولا‬
                                                             ‫بع ًدا إلا من خلال سلطة‬
                                                             ‫الذات المر ِسلة والمتل ِّفظة‪،‬‬

                                                             ‫والتي تشتغل على بعض من‬

                                                             ‫ذاتها‪ ،‬وهنا تصبح التجربة‬

                                                             ‫بمعناها الوجودي حجر‬

                                                             ‫الزاوية في العملية الأدبية‪،‬‬

                                                             ‫ويصير المتخيل حاس ًما‬
                                                             ‫في مسار هذه التجربة‪،‬‬

                                                             ‫لأنه يصوغ أحياز مكانية‪،‬‬

                                                             ‫ويقتطع أخرى من كليتها‬

‫بدر شاكر السياب‬  ‫أحمد العمراوي‬                     ‫أبولينير‬  ‫وواقعيتها‪ ،‬ويعيد صوغها‬
                                                              ‫شعر ًّيا بحيث يكون لكل‬
                                                   ‫واحد منها واقعيتها‪ ،‬موسومة بمحدداتها الحسية‬
                                                   ‫لكن بحمولات قيمية ورمزية‪ ،‬تجعل منها عالمًا‬
 ‫بالفضاء‪ ،‬فهو حلم وكابوس في نفس الوقت‪ .‬لكن‬                                           ‫مستق ًّل‪.‬‬
 ‫التجربة التي سنقف عندها بالقراءة والتحليل هي‬
                                                   ‫فالشعر يجعل الفضاء يقتات على ذاته‪ ،‬ويتشرب‬
    ‫تجربة الشاعر أحمد العمراوي‪ ،‬الذي جعل من‬
‫الفضاء في ديوانه الثالث المعنون بـ»باب الفتوح»(‪)2‬‬  ‫من غرابة المتخيل ومن القدرة على التجاوز‪ ،‬لدرجة‬

  ‫محور كتابته ومدار نصوصه‪ ،‬ففي هذا الديوان‬            ‫يصبح فيها الحديث عن فضاء واحد مو َّحد أم ًرا‬
    ‫اشتغال نوعي على مستوى «الفضاء الطباعي»‬            ‫صعبًا‪ ،‬فالتعدد والتنوع والهشاشة واللاتماسك‬
    ‫للنص‪ ،‬وهو فضاء الإنتاج والتلقي الشعريين‪،‬‬       ‫سمات لازمة للفضاء الشعري خصو ًصا‪ ،‬مما يدفع‬
                                                   ‫الشاعر حتى يصبح صان ًعا وخال ًقا أن يمارس نو ًعا‬
  ‫إضافة إلى أن نصوص أحمد العمراوي تعمل في‬          ‫من الحفر على مستوى اللغة‪ ،‬لأنها زاده وعتاده‪،‬‬
   ‫هذا الديوان على جعل المتلقي يتقاسم معها وفق‬
  ‫اصطلاح الظاهراتية ‪ Phénoménologie‬تجربة‬           ‫حتى يستطيع أن يمتلك «صلصال» الفضاء‪ ،‬ثم‬
  ‫«الفضاء المعيش»‪ ،‬الذي يقود عبر القراءة الفاعلة‬    ‫يجعله عالمًا سو ًّيا‪ ،‬خصو ًصا وأن الفضاء على حد‬
‫نحو بناء فضاء ثالث يتخذ شكل عالم ذهني يمكن‬            ‫قول باشلار ليس شيئًا جاه ًزا ومؤك ًدا‪ ،‬بل هو‬
                                                     ‫«مجرد شك‪ ،‬فيلزمنا دائما أن َن ِس َم ُه‪ ،‬أن نحدده‪،‬‬
            ‫أن نسميه تجاو ًزا «الفضاء الشعري»‪.‬‬
 ‫فمقاربة هذه الفضاءات الثلاثة (الطباعي والمعيش‬     ‫فهو أب ًدا ليس ملكنا‪ ،‬وليس مع ًطى جاه ًزا‪ ،‬بل يجب‬
                                                             ‫أن نستكشفه»(‪.)1‬‬
     ‫والشعري) ستشكل النصف الأول لدراستنا‬
‫النظرية للفضاء كما يعرضه ديوان «باب الفتوح»‪،‬‬       ‫ولقد شكل الاشتغال على الفضاء في الشعر العربي‬
 ‫على أن نستثمر بعض تصورات ومفاهيم شعرية‬
                                                   ‫المعاصر سمة ميزت العديد من التجارب نذكر منها‬
      ‫الفضاء في بعدها السيميوطيقي خلال الشق‬
‫الثاني‪ ،‬والذي سنجعل منه محايثة إجرائية للفضاء‬      ‫لا الحصر تجربة بدر شاكر السياب مع قريته‬

                          ‫الشعري لهذا الديوان‪.‬‬     ‫«جيكور» في مجمل دواوينه‪ ،‬وخصو ًصا «المعبد‬
                                                     ‫الغريق»‪ ،‬وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب‬

                                                   ‫البياتي‪ ،‬وهي تجارب تعكس هوس وقلق الشاعر‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40