Page 29 - merit 41- may 2022
P. 29
27 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ويتقاطعان ليش ِّكلا بؤرة الصراع ،الصراع ع َّدها المصريون فرصة لتحرير بلادهم ،والتي
الاجتماعي والطبقي ،وصو ًل للحظة النهاية ،فهل انتهت بدخول الإنجليز مصر في الربع الأخير من
يتصالح التاريخان المتصارعان ويتزوج المنجي القرن التاسع عشر.
(السيد) من معالي حلاوية (الخادمة)؟ في حقيقة يفتتح الكاتب الرواية بمشهد حلاوية زوجة فتح
الله التي تنعي بحزن بليغ رحيل زوجها للدفاع
الأمر ينهي الكاتب نصه نهاية غامضة دون أن عن بلاده وانضمامه لعرابي ورجاله ،لكن كل من
يتعرف القارئ هل تزوج السيد من الخادمة؟ وهل ذهب معه من القرية ُع ِر َف مصيره ،إما عاد أو قتل،
إلا فتح الله النوساني ابن قرية نوسا البحر التابع
ورث ابن الخادمة أملاك السيد أم لا؟!
لزمام الدقهلية.
التاريخ رافد سردي يقرر الإنجليز معاقبة القرى التي أرسلت رجا ًل
يفيد الكاتب من التاريخ الرسمي (ثورة عرابي للاشتراك في الحرب في صف عرابي ،فتسافر
وموقف الإنجليز من المصريين ،ثورة ،1919ثم أورطة إنجليزية تحت قيادة أحد الضابط الكبار عبر
ثورة ،1952ثم ثورة 25يناير ،)2011يفيد من المدن والقرى لتأديب أهلها وحرق بيوتهم ،وقتل كل
هذا التاريخ الرسمي ليكتب التاريخ الاجتماعي من يقاوم من سكانها ،وحين اجتمعت القرية (نوسا
لمروية الطبقة البرجوازية الريفية ودورها في البحر) لاتخاذ قرار الفرار أو المقاومة تطوعت
مساندة الحراك الاجتماعي والسياسي اللذين حدثا حلاوية زوجة فتح الله ،والشيخ حسين اللهفة
بإشغال الأورطة الإنجليزية عن بقية القرية حتى
في مصر فيما يزيد عن مائة وثلاثين عا ًما. لا يشعل الإنجليز النار فيها ،لكن الإنجليز الذين
لكن الكاتب وهو يصنع مرويته الروائية عن هذه لم يتمكنوا من أخذ اعتراف من المتطوعين الاثنين
الطبقة يصور انهزاماتها وانكساراتها وتراجعها يعذبانهما حتى الموت ،ثم ينصرفون عن بقية القرية
عن تشكيل وعي سياسي قادر على أن يحافظ على المختبئة في سراي آل عابدين التي تركوها وفروا
وجودها ودورها. خو ًفا من بطش الإنجليز.
المنجي عبد الباسط هو مثال حي لمثقفي هذه الطبقة،
الذي وقف في مواجهة أبيه وهو شاب صغير حين طرائق السرد
انحاز لجمال عبد الناصر وعلق صورته وحفظ يتمكن الكاتب عبر هذا المفتتح الطويل من رمي
خطبه ،بل وكتب له جمال عبد الناصر إهدا ًء على الخيوط الدرامية التي سيقوم باستثمارها فنيًّا بد ًءا
صورة له ،المنجي آمن بمشروعية ثورة 1952
ودورها الإصلاحي الاجتماعي ،لكن أبيه وأعمامه من الفصل الأول وحتى نهاية
وقفوا ضده لأنهم رأوا أن هذه الرواية.
الثورة سلبتهم أملاكهم وأعطتها
يق ِّسم الكاتب السرد إلى خطين
للفلاحين. دراميين ،الأول هو سردية
لا يرصد الكاتب انهزامات الخدم ،سردية أبناء وأحفاد
الطبقة الوسطى الريفية فقط،
بل يرصد كذلك صورة المثقف حلاوية والشيخ اللهفة ،والخط
المتوقع منه أن يكون على يسار الدرامي الثاني هو سردية
السلطة يناهضها ويفند خطابها
ويساند قضايا وطنه التحررية، السادة « ُم َّلك الوسية» متمثلين
لكن في حقيقة الأمر المثقف هنا في أبناء أسرة أرسلان ،وخاصة
مهزوم ،يعاني انكسارات كثيرة،
فلا دور له لأنه غارق في مجلس سردية عبد الباسط أرسلان
وابنه المنجي أرسلان.
يتداخل الخطان الدراميان