Page 25 - merit 41- may 2022
P. 25

‫‪23‬‬               ‫إبداع ومبدعون‬

                 ‫رؤى نقدية‬

‫على أحمد الديري‬                 ‫حاييم بيرلمان‬                ‫المجاز ولوظيفته لا يمكن أ ْن ينفصل عن تص ُّو ٍر‬
                                                              ‫ما لطبيعة اللغة ودلالتها‪ ،‬وهو تص ُّور لا يمكن‬
‫ويتح َّمل بعضهم بع ًضا من أجل عيش مشترك‪،‬‬                      ‫أ ْن يتم إلا في ضوء تص ُّو ٍر أعم لطبيعة النشاط‬
 ‫وبذا تبدو حقيقة عقلية في نظرنا‪ ،‬لأن الجميع‬
                ‫يتخيَّلونها على هذا النحو»(‪.)20‬‬                            ‫العقلي في سعيه نحو المعرفة»(‪.)15‬‬
                                                            ‫بحسب برتراند راسل‪َ « ،‬ي ْح ُضر المجاز في الكلام‬
 ‫ثال ًثا‪ :‬الموقف ال ِّسياقي من المجاز‬
                                                                ‫بتوا ُفر‪ ،‬سواء أكان هذا الكلام يأتي مواجها‬
 ‫ينطلق هذا الموقف من فكرة عامة ُمفا ُدها أ َّن الدلالة‬       ‫للوقائع ومعبَّرا عنها ومحاو ًل التطا ُبق معها أو‬
 ‫المجازية لأي لفظ ليست مطلقة‪ ،‬بل مشروطة بعدة‬                ‫كانت الكلمات تحيا في َعا َ ٍل خال ٍص مكت ٍف بذاته‪،‬‬
 ‫أشياء‪ ،‬من أهمها جمي ًعا «ال ِّسياق»‪ .‬فاللفظ لا ُينظر‬
  ‫إليه مج َّر ًدا‪ ،‬بل مع غيره من الألفاظ التي تصرف‬                    ‫ولا تقا َرن إلا بغيرها من الكلمات»(‪.)16‬‬
  ‫ذهن السامع أو القارئ عن المعنى الحرفي القريب‬                   ‫كما يقول دانيال تشاندلر‪ ،‬في كتابه (أُ ُسس‬
                                                              ‫السيميائيَّة)‪« ،‬يجوز أ ْن ننظر إلى المعرفة بوجه‬
                   ‫للفظ إلى معناه المجازي البعيد‪.‬‬             ‫عام باعتبارها سر ًدا أو ألعاب كتابة أو مجا ًزا‪،‬‬
       ‫إذن‪ ،‬لا توجد ألفاظ مجازية في ح ِّد ذاتها‪ ،‬بل‬         ‫ولذا فإن علينا أ ْن ُنق َّر بأننا ننغمس في عديد من‬
    ‫ال ِّسياق هو الذي يفرض المعنى المُراد للمتكلم أو‬          ‫المجازات نس ِّميها سرديات وخطابات‪ ،‬وأنه ما‬
  ‫الكاتب‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬يكون «التأويل الحقيقي‪ ،‬المنتِج‬            ‫من أح ٍد يقف خارج المجازات‪ ،‬وما من منظور‬
 ‫لدلالة النصوص»(‪ ،)21‬مشرو ًطا أو مح َّد ًدا بال ِّسياق‬
      ‫في المقام الأول؛ الأمر الذي ينفي عن التأويل‪،‬‬                       ‫لهذا ال َعا َل يخلوا من المجازية»(‪.)17‬‬
   ‫وبالتبعية المجاز‪ ،‬أية علاقة بالأهواء والتح ُّيزات‪.‬‬         ‫والمجاز بعمومه [كما يذهب على أحمد الديري]‬
     ‫وهذا هو نفسه ما يذهب إليه أبو زكريا يحيى‬                  ‫هو أداة من أدوات التفكير‪ ،‬الذي َن ْع ُبر به من‬
‫الف َّراء (ت ‪207‬هـ)‪ ،‬حيث «لم يتخذ من اللفظة متكأً‬            ‫الأشياء والصور الحسية إلى المسائل المفهومية‪،‬‬
‫ليتوقف عندها‪ ،‬وإنما أدخلها في سياق التركيب»(‪.)22‬‬               ‫متوسلين باستعارة كلمة أو َم َثل أو أسطورة‬
‫لقد لا حظ الف َّراء‪« ،‬أ َّن ال ِّسياق يحتمل تأويل المفردة‬     ‫أو حكاية تنتمي إلى مجال حسي‪ ،‬و ُيتخذ منها‬

                                                                                         ‫نموذج أو َم َثل(‪.)18‬‬
                                                              ‫وقد أ ْد َر َك مارتن هيدغر ‪Martin Heidegger‬‬

                                                                 ‫أ َّن كلمة «الحقيقة»‪ ،‬بحسب معناها في اللغة‬
                                                           ‫الإغريقية‪ ،‬لا تعني تمثيل الواقع بصورة صارمة‪،‬‬

                                                               ‫بل تنطوي على الكشف والإظهار؛ الأمر الذي‬
                                                           ‫جعله مقتن ًعا بأن الحقيقة ليس بوسعها الاستغناء‬
                                                           ‫عن العملية الاستعارية‪ .‬أما جاك دريدا ‪Jacques‬‬

                                                              ‫‪ Derrida‬فقد رفض رف ًضا تا َّما أ َّي تمييز بين‬
                                                                     ‫المعنى الواقعي والمعنى الاستعاري(‪.)19‬‬

                                                                  ‫وفيما يتعلق بالخطاب السياسي على وجه‬
                                                               ‫الخصوص‪ ،‬فإن المجاز‪ ،‬كما يذهب زيجمونت‬

                                                                  ‫باومان‪« ،‬يسري [‪ ]..‬في أوصال السياسة‪،‬‬
                                                           ‫بأفكارها وقيمها وإجراءاتها وممارستها‪ ،‬صاع ًدا‬

                                                               ‫من الثقافة السياسية للفرد وصو ًل إلى شكل‬
                                                                ‫الدولة ووظيفتها والنظام العالمي بتصوراته‬
                                                            ‫وتطوراته‪ .‬فالدولة‪ ،‬من البداية إلى النهاية‪ ،‬يمكن‬
                                                              ‫النظر إليها على أنها مجتمع متخيَّل أو مجازي‪،‬‬
                                                            ‫إذ تبدو كيا ًنا يرتبط أعضاؤه به عقليًّا ووجدانيًّا‪،‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30