Page 23 - merit 41- may 2022
P. 23
21 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
أو ًل :الموقف السلبي
من المجاز
يمثِّل هذا الكتاب ،على ح ِّد
تعبير المؤلف ،محاولة
لمشاكسة أولئك «الذين
يعتقدون أ َّن السياسة
تدور حول «حقائق» ،من
منطلق أنها قبل كل شيء
ِب ْنت الواقع ،ليروا وجهها
الآخر ،وهو أنها أي ًضا
يمكن أ ْن تح َّل بقوة هائلة
في «المجاز»»( .)1والحقائق
التي يقصدها المؤلف هنا
هي ،على ح ِّد تعبيره« ،ما
يمكن إثباته علميًّا أو الدلالة
عمار علي حسن زيجمونت باومان دانيال تشاندلر عليه»( ،)2وإ ْن كان المؤلف،
للحقيقة يتضج بشكل أكبر من خلال تلك المقابلة وهو محق في ذلك ،يؤكد على أ َّن الوصول إلى
التي يعقدها المؤلف بين الحقيقة الموضوعية الحقائق المطلقة في قضايا السياسة أمر غير ممكن
والحقيقة الذاتية. مهما توخينا ال َح َذر في ا ِّتباع المنهج العلمي.
إذن ،بحسب هذا الهدف الرئيس الذي يرمي إليه
بحسب المؤلف« ،إ َّن هناك إدرا ًكا متباد ًل ومتع ِّد ًدا الكتاب ،يبدو واض ًحا أ َّن الحقيقة تمثِّل نقي ًضا
للحقيقة ،إذ يراها كل طرف من ِو ْج َهة تختلف عما للمجاز ،أي وج ًها من أوجه الكذب والتضليل .على
يطرحه الآخرون ،وبما يعبِّر عن ثقافته ومصالحه سبيل المثال ،يقول المؤلف« :إ َّن من ُيمعن النَّظر فيما
يجري في حياتنا يدرك أ َّن ما للمجاز من ح ٍّظ فيها
ومواقفه وحالته النفسية والمعنوية ،ويخلق هذا أكبر بكثير مما للحقائق ،وعلى رغم أ َّن في ُوسعنا
نو ًعا من «الحقيقة الذاتية» ،يزعم الكل أنها «الحقيقة أ ْن نتبيَّن سري ًعا أوجه الكذب في أ ِّي شيء ،ونفهم
أنه ليس في مقدورنا ال َّزعم بأن ما نصل إليه هو
الموضوعية» وأنه يعبِّر عنها ،أو يج ِّسدها ،أو الحقيقة بعينها ،فإن البرهنة على الكذب أيسر من
يرومها ويقصدها .وبعض هؤلاء يظل متشبثًا إثبات الحقيقة ،كما أ َّن التعا ُمل مع الأول أقل ُك ْل َفة
بخندقه لا َي ْب َرحه ،حتى لو أثبت له غيره خطأ ما هو من الثانية ،ومع الكذب تتعدد المجازات في إطار
عليه»(.)5 عمليات التدجين ،والمخاتلة ،والمراوغة ،والتحايل،
ويضرب المؤلف مث ًل على الحقيقة الذاتية بالاختلاف
في الآراء ،الذي وصل إلى ح ِّد التناقض ،بين مختلف والمواربة ،والإيهام ،وال ِّدعاية ،والحشد ،والتعبئة»(.)3
الأطراف السياسية حول «حقيقة ما جرى في بعض كما يقول في َم ْو ِضع آخر« :قصد ُت في الأساس أ ْن
أج ِّل بعض الغموض وأكشف بعض التلاعب الذي
البلدان العربية عقب المظاهرات الشعبية الواسعة
التي وقعت في العام ،2011فهل هي «ثورة» أم يسكن قلب السياسة ،سواء أأخذ شكل توظيف
«مؤامرة»؟ وهل هو «ربيع» أم «خريف»؟ وهل هو
« َحراك شعبي» أم «انقلاب عسكري»؟ وعمل كل المجاز في دغدغة مشاعر الجمهور ،أم كان المجاز
طرف على الاستعانة بكل ما استطاع أ ْن يأتي به من
مجاز في الدفاع ع َّما يعتنقه ،والجميع كان عليه أ ْن مجرد مسرب للهروب من مواجهة الحقيقة»(.)4
وهذا الموقف السلبي من المجاز باعتباره نقي ًضا