Page 53 - merit 41- may 2022
P. 53
51 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الغمري كتابة القصة التي تتشكل من متواليات سردية تدشن للحريات ،وتطالب بتجديد أساليب إدارة
دقيقة موجزة ،كل متوالية ترسم موق ًفا ،والمواقف الحياة ،وانتقال المقاليد لجيل جديد ،والنظر إلى الوراء
تجمعها فكرة كلية ،وعن طريق العنوان ،والراوي، بغضب كما هو الحال في جيل الصارخين و»البيتلز»
والخيط الفكري ،والخط الدرامي ،يتصيد الخطاب ومسرح أوسبورن ،وحركة الشباب الفرنسي في نهاية
القصصي التشابه والاختلاف بين الحالات المتن ِّوعة الستينيات وانتقالها إلى مصر في مطلع السبعينيات،
وتلك النزعة العالمية لتحرير الروح البشري بالفنون
لظاهرة واحدة ،ويضع أمام خبرات القارئ الجمالية
والمعرفية مادة درامية تصويرية ،لإدراك المفارقات ،أو التي تنطق بالإنسانية وتتو َّجه إليها.
انطلا ًقا من مجموعته القصصية الأولى «القفز فوق
لتحليل جزئيات المفهوم الواحد. السحاب» وضع محسن الغمري حجر الأساس في
يمكن أن نرى في المتواليات السردية التي مارسها
محسن الغمري وهو يكتب قصصه القصيرة ،محاولة مشروع هوية سردية تصل بين الذات والإبداع،
تمهيدية لتصور العالم الروائي الذي يقوم على التعدد فاختيار العنوان علامة دالة على مجال هوية لشخصية
والتنوع ،كانت بعض القصص القصيرة تدريبات
حدسية جمالية لمقاربة الرواية ،وفي الوقت نفسه تنتمي إلى عالم الطيران ،مما يعني أن الغمري أديب
كان ظهور مجموعة فاطمة وبلانش علامة لتقارب قرر أن يدخل عالم السرد من خلال فضائه المهني
الخاص ،ذاك الفضاء الذي أصبح مؤ ِّش ًرا لمقصدية
في الرؤية بين محسن الغمري والأديب مكاوي الحركة تجاه الارتفاع ،والتحليق نحو رؤية أكثر
سعيد ( )2017 -1956فاتجه الغمري إلى الرواية وضو ًحا ،بالإضافة إلى ما يتصل بالأجواء المهنية
النقدية للتاريخ المعاصر في «ربما ذات يوم» مقتن ًصا من أفضية بينية ،ونماذج إنسانية ،وثقافات متعددة،
الشخصية المأساوية التي تضغط عليها متقلبات وحكايات الغربة ،والثنائيات الدرامية المتصلة
الخريطة الحضارية ،إنه يكتب تاري ًخا للبطل المضاد، بموضوع الرحلة مثل الخروج والعودة ،والدهشة
أو البطل الظل ،الذي يسقط في متواليات الإخفاق ،لكنه والألفة ،والثبات والتغير ،وما تطرحه تجربة الرحلة
من مساحة لمعالجة أسئلة شعورية وذهنية ،هذه
يتوقع الوصول. المجالات تعد أطر المحتوى الفكري الذي يستخلصه
تعكس رواية «ربما ذات يوم» ،ط أولى ،إيزيس القارئ من عنوان العمل السردي الأول للأديب العربي
،2011ط ،2أروقة ،2014ط 3دلتا ،2017ط 4 المصري محسن الغمري ،ويستمر ذاك الخيط في
أروقة ،2020نزعة الغمري التي تشربت من تلك
الأجواء ،وهو يمثل وجدان المثقف العربي في مصر أعماله كافة كنهر يجري بلا موانع.
بخاصة حين كان طالبًا جامعيًّا في النصف الأول من إن محاولة الغمري استخدام تقنيات تعبيرية تقوم
سبعينيات القرن العشرين ،وقتها كان الطالب المصري
يحلم بالحياة العالمية ،ويراسل أبناء جيله عبر القارات، بعمليَّات الموازنة
ويسافر في الإجازات الصيفية للعمل كي يكتسب والمقارنة ،بدأت في
سمات الإنسان الكوني ،ويرسخ حريته الاقتصادية، قصصه القصيرة ،وهذا
ما وضح في قصص
ويطالع الثقافات بين أهلها. «صورة وسبعة أطر»
يمكن للقارئ أن يرى جيل الغمري في رواية «ربما و»الانتظار» و»وحواء
ذات يوم» ،فالمؤلف يعبِّر عن ذاك الجيل الذي صاغ
تصوراته المعرفية بصدد العالم في مرحلة الشباب وأربعة وجوه»
بمجموعته «فاطمة
بنزعة قوية للحرية ،ثم ضغطت عليه المتغيرات وبلانش» ،ط 1الدار
الحضارية ليجد نفسه في مفارقة بين ما كان يريد للنشر ،2008ط 2
وما أحاط به ،وقد انتهى محسن الغمري من كتابة الدلتا ،2018جائزة
تلك الرواية بالفعل قبيل يناير 2011ويشير عنوانها اتحاد الكتاب ،2012
«ربما ذات يوم» للأمل الذي احتفظ به جيل نشأ في في تلك المجموعة مارس