Page 62 - merit 41- may 2022
P. 62

‫العـدد ‪41‬‬  ‫‪60‬‬

                                                                ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

           ‫الجمع بين «الفن للفن» و”الفن للمجتمع”‪.‬‬                 ‫‪ -2‬حاجته إلى نور يرشده في الحياة‪ ،‬وليس من نور‬
‫هذا الفهم للشعر‪ ،‬هو الذي دفعه إلى أن يتصدى للشعر‬                   ‫يرشده غير نور الحقيقة‪ ،‬حقيقة ما في أنفس الناس‪،‬‬

   ‫العربي الإحيائي‪ ،‬حيث أنكر أن يكون للعرب شعراء‬                                    ‫وحقيقة ما في العالم من حولهم‪.‬‬
‫يوازون الشعراء الغربيين‪ ،‬من أمثال شكسبير وموليير‪.‬‬                                      ‫‪ -3‬حاجة الناس إلى الجمال‪.‬‬

   ‫لهذا‪ ،‬فقد أرجع الانحطاط الذي انتهى إليه الشعر إلى‬                                 ‫‪ -4‬حاجة الروح إلى الموسيقى‪.‬‬
  ‫الشاعر العربي نفسه؛ لأنه لم يكن شاع ًرا‪ ،‬وإنما كان‬             ‫وهذه الحاجات الأربع هي «المقاييس الثابتة التي يجب‬
 ‫«ن َّظا ًما» يقلد الأقدمين في كل شيء‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ولتجاوز‬
                                                                                           ‫أن نقيس بها الأدب»(‪.)11‬‬
     ‫هذا الوضع‪ ،‬يؤكد نعيمة على ضرورة الابتعاد عن‬                 ‫غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا‪ ،‬هو‪ :‬إلى أي حد‬
‫التقريرية‪ ،‬فهي توقع الشاعر في شرك النظم‪ ،‬بالإضافة‬
                                                                  ‫يمكن أن تكون هذه المقاييس صالحة لدراسة الأدب؟‬
   ‫إلى ضرورة التحلي بصدق العاطفة في كل أثر أدبي‪،‬‬                   ‫وهل هي معايير كافية؟ ألا توجد معايير أخرى أكثر‬
 ‫وفي الشعر خاصة؛ لأن جمود الأدب العربي وسلبياته‬                  ‫دقة منها‪ ،‬وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن من بين‬
 ‫ترجع إلى انعدام هذه الخاصية فيه‪ ،‬وهي التي يسميها‬               ‫هذه المعايير ما هو مقياس نسبي‪ ،‬مثل الحقيقة والجمال‬
 ‫«الإخلاص» فيما يقوله الشاعر أو الأديب‪ ،‬أي الصوت‬
‫الداخلي الذي «يولِّ ُد بين أنامله والقلم تجاذ ًبا طبيعيًّا كما‬                                       ‫والموسيقى؟‬
                                                                                         ‫‪ -4 /1‬في مجال الشعر‪:‬‬
                       ‫بين المغناطيس والحديد»(‪.)13‬‬                 ‫من المعلوم‪ ،‬أن ميخائيل نعيمة‪ ،‬كان له اطلاع واسع‬
                                                                 ‫بالآداب الغربية وخاصة جانب الشعر منها‪ ،‬ولعل هذا‬
 ‫‪ -2‬آراء العقاد النقدية في كتاب الغربال‬                             ‫الاطلاع ساهم بشكل كبير في بلورة تصوره حول‬
                                                                 ‫الشعر‪ ،‬فهو يتحدث عن مفهوم الشعر‪ ،‬قائ ًل‪“ :‬الشعر‬
 ‫لقد كتب العقاد لكتاب الغربال مقدمة‪ ،‬بمناسبة طباعته‬                  ‫ميل جارف وحنين دائم إلى أرض لم نعرفها ولن‬
  ‫في مصر عام ‪ ،1923‬وكان العقاد‪ ،‬في هذه الفترة‪ ،‬من‬               ‫نعرفها‪ .‬هو انجذاب أبدي لمعانقة الكون بأسره والاتحاد‬
   ‫أكبر الدعاة إلى التجديد‪ ،‬فاستحسن ما جاء في كتاب‬              ‫مع كل ما في الكون من جماد ونبات وحيوان‪ .‬هو الذات‬
   ‫الغربال من آراء ومواقف نقدية ها َّمة‪ ،‬كانت تتقاطع‪،‬‬                ‫الروحية تتمدد حتى تلامس أردافها أطراف الذات‬
                                                                  ‫العالمية‪ ..‬الشعر رافق الإنسان من أول نشأته وتد َّرج‬
    ‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬مع ما كان يدعو إليه هو نفسه‪،‬‬                ‫معه من مهد حياته حتى ساعته الحاضرة من الهمجية‬
 ‫فكأ َّنه وجد ي ًدا هي بمثابة سند له يمكن أن تخفف عنه‬                  ‫إلى البربرية‪ ،‬إلى الحضارة‪ ،‬إلى مدنية اليوم»(‪.)12‬‬
‫بعض العبء‪ .‬قال في مستهل التقديم‪« :‬صفاء في الذهن‪،‬‬                 ‫و ُيفهم من هذا القول‪ ،‬أن مزية الشعر عند نعيمة تتجلى‬
 ‫واستقامة في النقد‪ ،‬وغيرة على الإصلاح‪ ،‬وفهم لوظيفة‬                ‫في الشعر نفسه‪ ،‬ولكن مزيته الأساس هي القدرة على‬
  ‫الأدب‪ ،‬وقبس من الفلسفة‪ ،‬ولذعة من التهكم واضحة‬
 ‫تطالعك من هذا «الغربال» الذي يط ُّل القارئ من خلاله‬

   ‫على كثير من الطرائف البارعة والحقائق القيِّمة»(‪.)14‬‬
     ‫ولع َّل هذا الإعجاب بكتاب الغربال‪ ،‬يرجع إلى وعي‬
  ‫العقاد بحساسية المرحلة التي يدعو فيها إلى التجديد‪،‬‬
  ‫وإلى أن وجود شخص يشاطره نفس الأفكار والآراء‬

      ‫أمر اعتبره ها ًّما؛ بل ذا قيمة بالنسبة إليه‪ ،‬يقول‪:‬‬
  ‫«شعرت وأنا أتابع قراءة هذه الصفحات بما تشعر به‬
  ‫القافلة المنبتَّة في المفازة السحيقة إذا ارتفعت لها قافلة‬

    ‫أخرى تنشد الغاية التي خرجت تنشدها‪ ،‬وأوشكت‬
      ‫أن ترت َّد عنها يائسة‪ ..‬وأكاد أقول إ َّنه لو لم يكتب‬
     ‫قلم النعيمي هذه الآراء التي تتمثل للقارئ في هذه‬

  ‫الصفحات لوجب أن أكتبها أنا‪ .‬فأما وقد كتبها وحمل‬
   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67