Page 7 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

  ‫التدريب‪ ،‬مستعينة ببعض الدول الخارجية‬               ‫وتوجه السياسات للوجهة التي تخدم‬
‫التي من مصلحتها تأجيج الصراع في القارة‬           ‫أطماعها‪ ،‬وقد بنى عبد الناصر السد العالي‬

  ‫لضمان استنزاف مواردها البترولية‪ ،‬التي‬             ‫في أسوان ضد رغبة دول المنبع اعتما ًدا‬
‫هي الأكبر في العالم‪ .‬هذه الجماعات تسهدف‬            ‫على قوة مصر وقتها‪ ،‬وعلاقتها بالاتحاد‬
‫مصر بالتأكيد‪ ،‬مستغلة انتشار وتغلغل الفكر‬          ‫السوفييتي والمعسكر الشرقي‪ .‬فإذا كانت‬
  ‫الوهابي في نصف القرن الأخير الذي شهد‬         ‫بعض المناطق والدول والاتجاهات والأحزاب‬
                                               ‫داخل القارة ما زالت ممتنة لعبد الناصر لأنه‬
  ‫وفرة مالية كبيرة في دول الخليج‪ ،‬ساعدت‬        ‫خدم مصالحها في الصعود إلى السلطة‪ ،‬فإن‬
 ‫على تصديره إلى عدة دول أولها مصر‪ ،‬لأن‬           ‫آخرين غير ممتنين‪ ،‬وربما يعاقبون مصر‬
 ‫تربتها ‪-‬مع الأسف‪ -‬جاهزة لاستقبال تلك‬              ‫الآن باعتبارها استعما ًرا أبيض‪ ،‬استغلت‬

   ‫الأفكار الظلامية الرجعية المتخلفة‪ ،‬نتيجة‬           ‫ظروف تخلف كثير من مناطق ودول‬
     ‫ضعف وتوجيه التعليم وتهميش الثقافة‬         ‫أفريقيا لكي تتدخل وتوجه دون حق وخارج‬

                                ‫والمثقفين‪.‬‬                 ‫القانون‪ ..‬حسب آرائهم بالطبع‪.‬‬
  ‫اهتمام مصر بالقارة الأفريقية هو السبيل‬          ‫لكن‪ ،‬قبل أن أتمادى في مناقشة موضوع‬
  ‫الوحيد لمحاصرة هذه الجماعات من المنبع‪،‬‬          ‫علاقة مصر بدول القارة الأفريقية‪ ،‬دعني‬
    ‫ومنع تمددها ووصولها إلى مصر‪ ،‬سواء‬             ‫أتساءل مبدئيًّا عن حاجتها لهذا الاهتمام‪،‬‬

      ‫من الجنوب عبر السودان الذي يشهد‬                ‫ومدى أولويته ضمن خريطة العلاقات‬
‫اضطرابات وانقسامات في السنوات الأخيرة‬                             ‫المصرية مع دول العالم‪.‬‬

   ‫أدت إلى ضعف السيطرة الأمنية للحكومة‬         ‫الحقيقة أن أفريقيا أضحت مهمة ج ًّدا لراسم‬
‫المركزية على كامل الدولة‪ ..‬أو من الغرب عبر‬        ‫السياسة المصرية وواضع أولوياتها‪ ،‬أو ًل‬
 ‫ليبيا‪ ،‬التي دخلت في دائرة الفوضى العارمة‬          ‫لأن نهر النيل يأتي من وسطها‪ ،‬ويحتاج‬
                                                   ‫استمرار تدفق مياهه ‪-‬باعتباره المصدر‬
   ‫بعد مقتل العقيد القذافي‪ ،‬والتناحر الداخلي‬
   ‫بين القبائل والمناطق الليبية‪ ،‬الذي لا يبين‬  ‫الوحيد للماء العذب الذي نستخدمه في الأكل‬
 ‫ح ٌّل قريب له‪ ،‬رغم الإعلان عن حلول كثيرة‬           ‫والشرب وري المحاصيل الزراعية‪ -‬إلى‬
   ‫فشلت كلها على أرض الواقع‪ ،‬ربما بسبب‬             ‫ضمان علاقات صداقة متينة تربط دول‬
   ‫جماعات العنف هذه‪ ،‬أو أنها أحد الأسباب‬
                                               ‫الحوض‪ ،‬وإلى مصالح اقتصادية واجتماعية‬
                  ‫لعدم الوصول إلى توافق‪.‬‬              ‫وثقافية تقوي هذه العلاقات وتضمن‬
 ‫السبب الثالث الذي يدعو مصر إلى الاهتمام‬
                                                   ‫تطورها‪ ،‬خاصة أن مصر بحكم التاريخ‬
     ‫بدول القارة الأفريقية أنها سوق ضخم‬          ‫والجغرافيا تقع في مرمى تحركات إقليمية‬
‫يمكنه استهلاك المنتجات المصرية‪ ،‬التي يجب‬         ‫(إسرائيل وتركيا وإيران) ودولية (أمريكا‬
‫أن تراعي احتياجاته وتنتج ما يريده‪ ،‬فتكلفة‬        ‫وحلفائها) تقصد إضعاف دورها وإبقاءها‬
                                                 ‫على الحافة دائ ًما كي تظل في حاجة لمعونة‬
    ‫النقل إلى هذه الدول أقل من مثيلاتها في‬        ‫خارجية‪ ،‬وتبقى ‪-‬لذلك‪ -‬تحت السيطرة‪.‬‬
  ‫آسيا مث ًل لقرب المسافة‪ ،‬وهو ما يدعو إلى‬
  ‫تطوير الطرق ووسائل المواصلات‪ ،‬كما أن‬              ‫لكن السبب الذي لا يقل أهمية في ظني‬
  ‫معظم الدول الأفريقية في مرحلة النهوض‪،‬‬           ‫أن القارة أصبحت مرت ًعا لجماعات العنف‬

     ‫ما زالت لا تنتج ما تحتاج‪ ،‬وتعتمد على‬            ‫الديني‪ ،‬التي تستغل الفراغ الأمني من‬
   ‫الاستيراد‪ ،‬وهذا واضح من قراءة الميزان‬           ‫جهة‪ ،‬والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية‬
    ‫التجاري للدول‪ ،‬وهو الأمر الذي يساعد‬        ‫والثقافية لشعوب القارة من جهة أخرى‪ ،‬كي‬
 ‫الصناعات المصرية في مجالات التكنولوجيا‬          ‫تتمدد وتجلب السلاح والمال‪ ،‬وتقيم مراكز‬

        ‫والزراعة والثروة السمكية وغيرها‪.‬‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12