Page 8 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 8

‫العـدد ‪28‬‬                                     ‫‪6‬‬

                                              ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

  ‫تكر وتفر‪ ،‬وبالتالي تعرف كيف تحاصرها‬              ‫إن ما تحتاجه مصر الآن ليس النموذج‬
    ‫وتستهدف عناصرها‪ ..‬ولديها خبرة أقل‬             ‫الناصري الذي سمح لنفسه بالتدخل في‬
   ‫في المواجهة الثقافية بفتح الآفاق والسماح‬       ‫شؤون بعض الدول‪ ،‬وساعد المعارضين‬
     ‫للخطابات الليبرالية بالتعبير عن نفسها‬
  ‫لمواجهة تلك الخطابات الظلامية التي تقتل‬             ‫والانقلابيين‪ ،‬فأفريقيا الخمسينيات‬
   ‫البشر وتهدم المباني والمنشآت‪ ،‬لذلك فإن‬      ‫والستينيات من القرن العشرين ليست كما‬
     ‫مصر قد تكون مفيدة ج ًّدا لعديد الدول‬      ‫هي اليوم‪ ،‬ومصر نفسها ليست كما كانت‪،‬‬
    ‫الأفريقية التي تعاني من تلك الجماعات‪،‬‬      ‫لذلك ما نحتاجه هو العلاقات الشفافة التي‬
                                               ‫تحترم الخصوصيات الثقافية والحضارية‪،‬‬
  ‫مثل نيجيريا وأفريقيا الوسطى والسودان‬
                          ‫وليبيا‪ ..‬وغيرها‪.‬‬         ‫وتص ِّدر خطاب الحريات والديمقراطية‪،‬‬
                                                 ‫إلى جانب الاهتمام بالعلم والبحث العلمي‬
  ‫تستطيع مصر أن تتحول إلى مركز إشعاع‬
    ‫علمي وثقافي يخدم دول القارة الأفريقية‬           ‫والتكنولوجيا‪ ،‬لتقدم نموذ ًجا حضار ًّيا‬
       ‫ومواطنيها‪ ،‬فإذا كان عبد الناصر قد‬       ‫يمكن أن يحتذى‪ ،‬أو على الأقل ينال احترام‬
     ‫اجتذبهم بالخطاب الإسلامي عن طريق‬           ‫هذه الدول‪ ،‬ويمحو صورة الرجل الأبيض‬
     ‫مدينة البعوث وجامعة الأزهر وإرسال‬          ‫المريض‪ ،‬تلك الصورة التي انعكست بشكل‬
    ‫الشيوخ إلى الدول لتعليم مواطنيها الدين‬    ‫واضح وكامل في أزمة سد النهضة الأثيوبي‬
  ‫على الطريقة المصرية‪ ،‬فإن السلطة الحالية‬        ‫بكل تفاصيلها‪ ،‬منذ إلغاء الاتفاقية القديمة‬
      ‫لا تحتاج إلى ذلك‪ ،‬بل إلى عكسه تما ًما‪،‬‬    ‫من طرف واحد وتوقيع اتفاقية بديلة دون‬
    ‫فتحتاج إلى تطوير التعليم والاعتماد على‬
  ‫التكنولوجيا وتدريب الأفارقة على الابتكار‬       ‫مصر‪ ،‬والتعنت في مفاوضات ملء السد‪،‬‬
  ‫الإداري ونقل الخبرات الصناعية والأفكار‬         ‫والاستهانة بالحديث عن الحرب المتوقعة‬
                                                ‫وقدرات مصر وأثيوبيا على خوضها‪ ..‬إلخ‪.‬‬
 ‫والمعلومات‪ ،‬وكل تلك الوسائل الحديثة التي‬          ‫مفاوضات سد النهضة ستصل إلى حل‬
    ‫يبيعها لهم الغرب وإسرائيل على حساب‬          ‫قريب بخسارة ما‪ ،‬تعمل مصر على تقليلها‬
      ‫مصر ووجودها في القارة‪ ،‬كما تحتاج‬
    ‫إلى تشجيع الاستثمارات في أفريقيا‪ ،‬كما‬             ‫بالتفاوض طويل النفس وبمساعدة‬
   ‫تفعل شركة المقاولين العرب وأوراسكوم‬           ‫الحلفاء الدوليين من جهة‪ ،‬أو الضغط على‬
                                              ‫المستثمرين الذين يمولون بناء السد من جهة‬
‫وغيرها‪ ..‬فهل تقدر مصر على ذلك؟ هل تقدر‬          ‫أخرى‪ ،‬لكي يضغطوا بدورهم على حكومة‬
   ‫على تقديم نموذج حضاري ليبرالي متقدم‬         ‫أثيوبيا للوصول إلى اتفاق حد أدنى لا يضر‬
                                                ‫بمصالح دول المصب ضر ًرا بال ًغا‪ ..‬لكن ما‬
‫يحترم القانون والتداول السلمي للسلطة؟ إن‬       ‫يقلقني الشعور أن الاهتمام بأفريقيا ارتبط‬
‫استطاعت فهي الأقرب إلى قلب أفريقيا‪ ،‬وإن‬         ‫ويرتبط بموضوع السد فقط‪ ،‬وأنه سيخمد‬
‫لم تستطع ستظل في مكانتها الحالية‪ :‬الرجل‬         ‫بانتهاء الأزمة سلبًا أو إيجا ًبا‪ ،‬دون وجود‬
                                                 ‫نظرة أعمق تضع القارة كلها في حسبانها‬
   ‫الأبيض المريض‪ ،‬مهما دبجت من مقالات‬          ‫مستقب ًل‪ ،‬بمشكلاتها وبمخزون ثرواتها من‬
   ‫وخطب وأغاني وقصائد‪ ،‬فالغلبة الآن لمن‬         ‫المواد الخام‪ ،‬وبجماعاتها العنفية‪ ،‬التي تعد‬
 ‫يخلق فر ًصا على الأرض تحتاجها الشعوب‪،‬‬          ‫الأخطر والأكثر دموية في العالم‪ ،‬وبالقوى‬
  ‫لا لمن يؤلف الأغاني ويطلق عبارات جوفاء‬
                                                  ‫الإقليمية والدولية التي تعبث بها! فلدى‬
                       ‫خالية من المضمون‬        ‫مصر تجربة مهمة في المواجهة الأمنية لهذه‬
                                               ‫الجماعات‪ ،‬وتعرف طرق اختبائها وتدريبها‬

                                                 ‫وتسليحها والأماكن التي تناسبها‪ ،‬وكيف‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13