Page 11 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 11
إبداع ومبدعون 9 مانع من تعدده.
رؤى نقدية والغرابة فيما أحسب تفترض أن هناك مسافة بين
البشرية ،وهي لا تنطلق من الغرابة الموحشة ،لكنها المُستقبل وما يستقبله من رسالة ،هناك مسافة
تندفع بإغواء الخلق الجديد وتوظيف هذه الكهوف تحتمل تعدد التفسيرات وتعدد الانطباعات بداخلها،
المظلمة ،ورؤية الأشياء والمعاني والموجودات تحت وأتصور أن اقتصار مفهوم “الغرابة” على الجانب
متغيرات كثيرة ثقافية واجتماعية وسياسية ،في المقلق وغير الآمن والمكتظ بالأشباح والخوف
سياقات كلية متراكبة ،تخلّق هذه المعالجات الأدبية، وغير المألوف كما يقدمه الكتاب كانت في حاجة
إلى توسع ،فالغرابة تتضمن أكثر مما يخيفني أو
وتدفع بوجودها في ذوات ترى في الإبداع متنف ًسا يشعرني بالوحشة .إنها ،فيما أتصور ،مساحات
من شأنه أن يخلخل جمود العالم وظواهره التي أخرى يمكن أن يسكن بطرقها ودهاليزها عوالم
تكلست وتحجرت .كأن المبدع يقف في تلك المنطقة الدهشة والتعجب ،والخيال المضيء لا المعتم فقط،
يمكنني أن أشعر بالغرابة وأنا مأخوذ لا عن خوف،
ليقول لست خائ ًفا أو شاع ًرا بالوحشة ،لكنني لكن عن اتساع العالم أكثر مما أتصور ،عن الرغبة
مناوش ،أتمرد على الكائن والمستقر ،وأدواتي التي
أشاكس بها جمود الظواهر ومغازلة كل موروثات في مناوشة المستقر والآمن والثابت.
الحضارة البشرية من أساطير وخرافات وتأويلات في ظني أي ًضا أن عوالم الفانتازيا والواقعية
السحرية ،التي تدخل في الكتاب ضمن عوالم
متباينة للأديان ،من أحلام وعلاقات سريالية الغرابة ،لا تدفع بالمكبوتات فقط ،أو الأساطير إلى
لتفسير الظواهر ،من فلكلور شعبي وممارسات السطح ،بل تخلَّق عوالم ممكنة لا كائنة ،هذه العوالم
لا يتحكم فيها الخوف قدر ما تحكمها الدهشة،
طقسية رسختها الشعوب. والاتساع في العالم ،والرؤي غير النمطية ،ربما
تعرض المؤلف في الدراسة لكثير من الأعمال الأدبية كانت المفردة الأكثر مناسبة لما يقصده الكاتب “أدب
التوجس والقلق”“ ،أدب الخوف والوحشة” ،أو
السردية تحت نوع الرواية والقصة القصيرة، “الغرابة الموحشة” كما ذكر .كما أن هناك فر ًقا بين
وجاءت استشهاداته في جلها من النصوص الغربية، الغرابة كمفردة متداولة بيننا الآن في ثقافة المجتمع
المصري وكونها مصطل ًحا في اللغات الأخرى لا
واستقصى فيها الأدب الكلاسيكي والرومانسي
وصو ًل إلى الأدب المعاصر وما ينضوي تحت تيار يحتمل سوى القلق والوحشة.
لا ينضوي تحت الغرابة التي يقصدها المؤلف كل
الحداثة وما بعدها ،وكنت أود ،زيادة في المعرفة، الأدب الفنتازي أو أدب الواقعية السحرية ،فلماذا
لو أن الدراسة اعتمدت على استشهادات من السرد لم يو ّضح النص الفرق والاختلاف بينهما؟ فهناك
منطقة أخرى يتخلق فيها هذا الأدب ربما يحتوي
العربي ،واتخذت نماذج منه لتوضيح ظواهر
الغرابة وأظنها موجودة فيه .وأتصور أن هذا الجهد كل عناصر الغرابة التي تحدثت عنها فصول
الدراسة التسعة أو بعضها ،وأعتقد أن هناك مناطق
الدءوب والمستقصي الذي قدمه الكاتب لو ضم في إدراك ومخيلة المبدع تخلَّق عوالم موازية للواقع،
الأدب العربي لأثراه ،وفتح مجا ًل لدراسات متعددة
يحتاجها الدرس النقدي والنفسي له .تمنيت أي ًضا لا تخضع للخوف والقلق والأمراض النفسية
القديمة والحديثة ولا تدفعها الوحشة ،هناك منطقة
لو أن الدراسة اشتملت على إشارات تتماس مع تخضع للعب والتجريب ،ومحاولات تفسير العالم
الأدب المقارن فيما يختص بعلاقات التأثير والتأثر
التابع للمدرسة الفرنسية أو الأمريكية ،ومن خلالها على نحو متجدد .منطقة تلهو بين الخلق الجديد
كان بإمكان الكاتب أن يشير إلى تأثر الآداب الغربية الذي على غير نحو سابق ،والرغبة في محاولة
والعربية بعضها ببعض في النصوص التي تجلت تفسير العالم والمكبوتات الداخلية ومكنونات النفس
فيها ظاهرة الغرابة أو الأدب الفانتازي أو ما يطلق
عليه أدب الواقعية السحرية.
ترتب أي ًضا -فيما أتصور -على اعتماد المؤلف
في استشهاداته على النماذج الأدبية الأوروبية
كشف للمراحل الحضارية المتتابعة التي مرت بها
الذات الغربية المبدعة ،والمتلقية ،والابتعاد نسبيًّا
عن مراحل تطور الذات العربية وما توالى عليها