Page 14 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 14

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪12‬‬

                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

   ‫تركز الباحثة هنا على نظريات التلقي‪ ،‬وثقل دور‬            ‫الذي يكون القلق فيه خاصية متضمنة في بنية‬
    ‫القارئ في منظومة صنع المنتج النهائي للإبداع‪.‬‬        ‫العمل الأدبي‪ ،‬ويعمل فيه الإنسان عقله النقدي أو‬
 ‫في كتابات “هيلن سيكسوس”‪ ،‬و”سارة كوفمان”‬
‫و”نيل هيرتر” بدا مصطلح الغرابة أكثر أهمية‪ ،‬لكنه‬                                       ‫خياله فلا يفهمه‪.‬‬
  ‫أخذ من ًحى مغاي ًرا للمفهوم في الماضي الذي ارتبط‬         ‫‪ -4‬أن يتحقق في العمل الأدبي العجائبي ثلاثة‬
 ‫بتيمات مصاص الدماء والأقران والأشباه‪ ،‬والموتي‬
 ‫والأحياء‪ ،‬انتقل إلى كل ما يمكن أن يحدث على نحو‬                                               ‫شروط‪:‬‬
    ‫متكرر في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية‪،‬‬             ‫أ‪ -‬تك ّون عالم للشخصيات في العمل‪ ،‬التردد في‬
   ‫وكذلك في تلك العلاقات كلها التي قد تتكون بين‬
     ‫الإنسان وكل تلك البيئات المألوفة بالنسبة إليه‬              ‫تفسير أحداث القصة‪ ،‬طبيعية أو خارقة‪.‬‬
    ‫أكثر من غيرها‪ :‬البيت‪ ،‬العائلة‪ ،‬الصداقة‪ ،‬الحب‪،‬‬       ‫ب‪ -‬التردد سمة للشخصيات داخل العمل الأدبي‪،‬‬
   ‫علاقات الآباء بالأبناء‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬علاقات العمل‪،‬‬
 ‫مراكز التسوق الحديثة‪ ،‬المطاعم التي تقدم الأغذية‬                    ‫وأن يتوحد القارئ مع شخصية ما‪.‬‬
  ‫السريعة‪ ،‬وسائل النقل العامة‪ ،‬المكاتب الحكومية‪،‬‬      ‫ج‪ -‬ينبغي أن يتبني القارئ اتجا ًها معينًا فيما يتعلق‬
     ‫الذات نفسها من حيث تحولها إلى مكان غريب‬
   ‫موحش بد ًل من أن يكون مألو ًفا وألي ًفا‪ ،‬هكذا لم‬    ‫بالنص‪ ،‬بحيث يرفض التأويلات المجازية التي تنم‬
 ‫تعد الغرابة‪ ،‬في التصور المعاصر لها تنتمي إلى فئة‬                       ‫عن الحكمة والموعظة الأخلاقية‪.‬‬
     ‫غير العادي وغير المألوف من الأماكن والأمور‬
    ‫والانفعالات فقط‪ ،‬بل إلى كل ما هو عادي أي ًضا‪،‬‬          ‫‪ -5‬تنتقل الرؤية التفسيرية القائمة على الشك‬
   ‫مألوف وأليف‪ ،‬لكنه يتحول أي ًضا‪ ،‬تدريجيًّا بفعل‬         ‫من الشخصية المحورية إلى القارئ‪ ،‬ومن خلال‬
  ‫آلية التكرار إلى نقيضه‪ ،‬غير المألوف غير العادي‪،‬‬
 ‫غير الأليف‪ ،‬بل الموحش والغريب والمخيف والمهدد‬                ‫حالة التراكب أو التداخل بين الراوي وبطل‬
   ‫والمعادي‪ .‬هنا العادي يتحول إلى غير عادي‪ ،‬غير‬           ‫القصة‪ ،‬ويمتد هذا الشك والالتباس إلى الإدراك‬
   ‫عادي لا يجيء من المقابر‪ ،‬أو ما وراء الطبيعة أو‬       ‫البصري حيث لا ثقة في الأشخاص والأحداث‪ ،‬بل‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬بل من داخل الواقع وداخل الحياة‪،‬‬         ‫وتخلَّق أحدا ًثا غير موجودة تحت تأثير الهلاوس‬
    ‫وداخل النفس البشرية في تحولاتها وتشوهاتها‬
    ‫وتشكيلاتها الغريبة غير المتوقعة والغرابة تعبر‬             ‫والخداعات الإدراكية والكوابيس والأحلام‬
 ‫‪-‬أو بالأحري تدمر‪ -‬تلك الحدود التي بين الغريب‬                                       ‫والأمراض العقلية‪.‬‬

                                      ‫والمألوف‪.‬‬          ‫ويع َّرف تودوروف العجائبى‪“ :‬بأنه التردد الذي‬
    ‫لقد أصبح المك َّون المألوف محل اهتمام المحللين‬       ‫يحسه كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعية فيما‬
  ‫النفسيين والتفكيكيين‪ ،‬وبعض أصحاب النظريات‬           ‫يواجه حد ًثا فوق طبيعي وفق الظاهرة”‪ ،‬ويقسم في‬
   ‫الأدبية والسياسية والمعمارية المعاصرين وأكدوا‬       ‫ضوء ذلك الأعمال العجائبية إلى العجيب المحض أو‬
  ‫على الأهمية البالغة له في النظر إلى مفهوم الغرابة‪.‬‬
‫لدي “جوليا كريستينا” أصبحت الغرابة المحيرة أو‬                             ‫الخالص‪ ،‬والعجيب العجائبي‪.‬‬
   ‫الموحشة التي يكون عليها بيت المرء‪ ،‬وطنه‪ ،‬عالمه‬        ‫يعرض المؤلف الانتقادات التي وجهت لتقسيمات‬
  ‫نقطة البداية للأخلاق المتعلقة بإدراك الآخر حيث‬
  ‫المواجهة أو الالتقاء بالغريب عن المكان‪ -‬هي التي‬            ‫“تودوروف” من ِقبل ما تذكره “روزماري‬
   ‫تكشف أكثر من غيرها عن تلك الميول التي داخل‬             ‫جاكسون”‪ ،‬وحاجة الأمر إلى التفسير في ضوء‬
‫الذات نحو الآخر بكل جوانبها السلبية أو الإيجابية‪.‬‬      ‫مصطلحات أدبية ليست غامضة وغير متسقة‪ .‬كما‬
                                                      ‫أن اهتمامه الخاص بالبنية الشكلية للعمل الأدبي قد‬

                                                                    ‫أدى إلى إهمال الأبعاد الاجتماعية له‪.‬‬
                                                                 ‫تقول “ديزي كانون” معلقة على نظرية‬
                                                          ‫“تودوروف” إنه اختزل الغرابة ونصوصها إلى‬
                                                             ‫نوع الأثر اللاحق‪ ،‬وأنه أنكر الجانب الفردي‬
                                                          ‫الخاص بتلقي العمل القائم على الغرابة‪ .‬في حين‬
                                                           ‫أن الغرابة مثلها مثل الخبرات الفنية والجمالية‬
                                                         ‫كلها تقوم في جانب منها على أساس خبرة الفرد‬
                                                       ‫السابقة‪ ،‬وسمات شخصيته‪ ،‬والمجتمع الذي يعيش‬

                                                                                            ‫فيه أي ًضا‪.‬‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19