Page 19 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 19

‫هذا النوع من الأدب‪ ،‬أدب هدم وبناء‪ ،‬هدم‬                                             ‫تزفيتان تودوروف‬

‫من أجل البناء‪ ،‬وبناء من أجل الهدم سع ًيا‬                       ‫وف ًقا لما قاله لاكان هو ذلك الذي يعود دائ ًما إلى‬
                                                                                              ‫المكان نفسه‪.‬‬
    ‫وراء بناء أفضل‪ ،‬وأنه مثلما قامت المدن‬
                                                              ‫ويرصد “لاكان” لبدايات التفكك حين يقع بعض‬
‫الحديثة على أساس الهدم للقرى وأشكال‬                         ‫الناس فرائس للدهشة العميقة وبعد تلقيهم لإحدي‬
                                                            ‫الصدمات العنيفة‪ ،‬فيبدو العالم غريبًا غير مألوف‪،‬‬
‫الحياة القديمة‪ ،‬فإنها قد هدمت أي ًضا تلك‬
                                                               ‫أشبه بحلم وأن الأشياء تبدو له ‪-‬خلالها‪ -‬أقل‬
‫القيم القديمة المرتبطة بالخرافة والخوف‬                          ‫من حجمها أو أكبر‪ ،‬وتأتي الأصوات من بعيد‬
                                                            ‫وتبدو الصور الخيالية آلية‪ ،‬والخيال صعب المنال‪،‬‬
‫من المجهول والغامض سع ًيا وراء العقل‬                            ‫والانفعالات مفتعلة‪ .‬ويبقى الشخص كأنه فقد‬
                                                             ‫الشعور بشخصيته‪ ،‬كأنهم يحسون بأنهم كما لو‬
‫واليقين والحرية‪ ،‬لكنها في الوقت نفسه‬                       ‫كانوا يرون أنفسهم‪ ،‬يشاهدون فيل ًما‪ ،‬وهذا نوع من‬

    ‫أبعدت الإنسان عن نفسه‪ ،‬أي ًضا جعلته‬                                       ‫الشعور غير السار بالمشاهدة‪.‬‬
                                                               ‫ويورد الكاتب حديث “فلهلم ماير” عن اختلال‬
               ‫مغتر ًبا عن واقعه وعن ذاته‬                    ‫الشعور بالواقع والشخصية‪ ،‬ويرى علماء النفس‬
                                                             ‫أن اختلال الشعور بالشخصية يدل على إحساس‬
                                  ‫‪ -3‬الآلية الشعورية‪.‬‬
              ‫‪ -4‬الإحساس المتحول بالزمن وبالأماكن‪.‬‬               ‫ضعيف غير متكامل بالأنا أو الذات‪ ،‬ناتج من‬
                                                             ‫صراعات خاصة بعدم الكفاءة‪ ،‬وعدم التكامل بين‬
                          ‫‪ -5‬الشعور بالغرابة البدنية‪.‬‬        ‫مكونات الذات من ناحية‪ ،‬وبينها وبين الواقع من‬
                    ‫‪ -6‬المراقبة العالية والمستمرة للذات‪.‬‬     ‫ناحية أخرى‪ ،‬وتتعدد الأعراض التي تصيب الذات‬

                              ‫‪ -7‬التحولات الوجدانية‪.‬‬                        ‫التي تعاني هذه الاختلالات مثل‪:‬‬
                                  ‫‪ -8‬التذكر والتخيل‪.‬‬       ‫‪ -1‬اختلال الشعور بالواقع‪ ،‬أي أن العالم الخارجي‬

                               ‫‪ -9‬خبرة الخواء العقلي‪.‬‬                                    ‫غريب غير واقعي‪.‬‬
                   ‫‪ -10‬الاغتراب عن الواقع المحيط بهم‪.‬‬       ‫‪ -2‬الماكروبيزيا‪ :‬وهي الشعور بالتحول الغريب في‬
          ‫ويعرض الكاتب في زاوية بحث محورية لتأثير‬
        ‫المدن الكبيرة على الذات الإنسانية ويشبهها بوجه‬                             ‫أحجام الأشياء وأشكالها‪.‬‬
      ‫“يانوس” إله البوابات في الأساطير الرومانية‪ ،‬فلقد‬
          ‫كان مزدوج الوجه‪ ،‬ويرى “ميشيل فوكوه” أن‬
        ‫للمدن وجهين‪ ،‬وهي ذات هويات مزدوجة فهناك‬
            ‫الأماكن الذاتية وهناك العشوائيات‪ ،‬الحميمية‬
        ‫والاغتراب‪ ،‬الفقر والغنى‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهو ما يصيب‬

                                     ‫الإنسان بالغرابة‪.‬‬
      ‫وربما كانت الغرابة في الأزمنة الماضية نتيجة تباعد‬

           ‫الأماكن وعزلتها بعضها عن بعض‪ ،‬في العصر‬
      ‫الحديث ولطبيعة المدن الحديثة كان من المفترض أن‬

         ‫يخلق المكان الألفة‪ ،‬لكن الاقتراب المكاني أفرز في‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24