Page 20 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 20

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪18‬‬

                                                  ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

  ‫واستقرارها‪ ،‬أصبحت مزدوجة‪ ،‬متحولة‪ ،‬مخيفة‪،‬‬         ‫حالات عدة نو ًعا من الابتعاد وحالة من التشويش‬
                                  ‫قلقة ومقلقة”‪.‬‬           ‫والعزلة والوحشة‪ ،‬وساعد على ذلك وسائل‬

      ‫حول الازدواجية والأدب‪:‬‬                           ‫الاتصال والإعلان الحديث‪ ،‬فأصبحت الأماكن‬
                                                   ‫الحديثة أماكن الغياب لا الحضور والألفة‪ .‬الأماكن‬
    ‫تعني كلمة الازدواجية وجود حالتين اثنين من‬
 ‫شيء ما‪ ،‬أن يدرك شيء واحد على وجهين‪ ،‬يشير‬                  ‫التي يكون الإنسان فيها رق ًما من ملايين‪.‬‬
  ‫إلى ذلك الخيال الذي اهتم بتجسيد وجود حالتين‬
                                                                   ‫(‪)5‬‬
      ‫عقليتين أو أكثر لدى الفرد الإنساني الواحد‪.‬‬
  ‫وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الكتاب الذين‬             ‫يستكمل الكاتب بحثه ورصده لحالات الذات‬
  ‫اهتموا بتجسيد الازدواج والتعدد في الشخصيات‬      ‫البشرية في الفصل الخامس”‪ ،‬فيتحدث عن “ازدواج‬
 ‫الأدبية كانوا هم أنفسهم يعيشون حياة مزدوجة‪،‬‬
  ‫مثل ستيفنسون‪ ،‬ودستويفسكي‪ ،‬أوسكار وايلد‪.‬‬                  ‫الذات وانقسامها” بعد أن تبدأ في التفكك‪.‬‬
                                                    ‫ويتخذ المؤلف رواية “دكتور هيكل ومستر هايد”‬
       ‫ترجح الأبحاث أي ًضا أن هذه الازدواجية في‬
 ‫الشخصيات هي من النتائج المتعلقة بالمدن الحديثة‬        ‫لـ”ستيفنسون” نموذ ًجا أدبيًّا لازدواج الذات‪،‬‬
  ‫وتطورها‪ ،‬فهي تروج لقيم سامية في حين يتحكم‬           ‫ويعبر عن ازدواج “كافكا” بمقولته “أنا‪ -‬هو”‪.‬‬
  ‫في واقعها اعتبارات نفعية وتسلطية لا حصر لها‪.‬‬    ‫ثم يتحدث عن أصل الازدواج فيطرح فر ًضا ويذكر‬
                                                       ‫أنه بحاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقق منه‬
    ‫وإن كنت أرى أن هذا الترجيح ليس بهذا الثقل‪،‬‬        ‫يقول‪ :‬إن هناك ذات أولى في النصف الأيسر من‬
     ‫أتصور أن تطور وعي الإنسان بنفسه وتراكم‬         ‫المخ تعيش حياة متتابعة متكررة وتجد نفسها مع‬
  ‫ثقافاته المتنوعة‪ ،‬جعلته يدرك ما لم يكن يستطيع‬       ‫الوقت ووطأة الظروف قد وقعت في أسر الآلية‪،‬‬
                                                  ‫فتفقد شعورها بالوجود الحي‪ ،‬هنا يجيء الدور على‬
                    ‫تفسيره في السابق قبل المدن‪.‬‬   ‫النصف الأيمن فيدخل بصوره ومجازاته وانفعالاته‬
                                                  ‫وقدراته الخاصة على الحركة في المكان ويقدم للذات‬
                 ‫(‪)6‬‬                                  ‫الأولى بعض ما يساعدها على الخروج من أسر‬

   ‫في الفصل السادس المعنون “بالغرابة والقرين”‬                                             ‫الرتابة‪.‬‬
  ‫يع ّرف الباحث القرين بأنه ظهور أو تج ٍّل شبحي‬       ‫وربما كان الإبداع هنا وسيلة تحمي المبدع من‬

     ‫لحالة داخلية تحدث انقسا ًما داخل الذات‪ ،‬وفي‬        ‫الجنون مثل هولدرين‪ ،‬ونيتشه‪ ،‬وسرندبيرغ‬
   ‫الوقت نفسه تحدث التكامل الخاص بهذه الذات‪،‬‬                            ‫وفيرجينيا وولف وغيرهم‪.‬‬
‫على الأقل أمام نفسها‪ ،‬ذلك الجانب السلبي الغامض‬
‫المخيف المرفوض فيها‪ ،‬وتسقطه على صورة أخرى‬            ‫يحاول عالم النفس أن يفسر الذوات المزدوجة في‬
 ‫لها وتكون هذه الصورة الأخرى هي ذاتها‪ ،‬تكون‬        ‫الإنسان بقول “هنا يخفي الأفراد أسرارهم الخفية‬
‫قرينها‪ ،‬إنها صورة محاكية ثانوية أي صورة هوية‬
                                                     ‫المعتمة التي تتحدث عن ذات أخرى‪ ،‬هي في واقع‬
    ‫تشتمل على الذات وموضوعها‪ ،‬الذات وهويتها‬        ‫الأمر‪ ،‬الذات الأولى‪ ،‬الأنا نفسها‪ ،‬لكنها كما تتجسد‬
   ‫الأخرى‪ ،‬الذات وكينونتها‪ ،‬الذات التي لا تتشكل‬   ‫في أعماقها‪ ،‬ومشاعرها‪ ،‬تتجسد في ظلالها الداخلية‪،‬‬
 ‫إلا من خلال قرينها أو شبحها أو صورتها الخفية‬
 ‫الأخرى كما أشار “جوليان وولفريز”‪ ،‬كما يشير‬          ‫قلقها الذي لا تستطيع الهروب منه إلا من خلال‬
  ‫الباحث لحضور واضح لمسلمة “الكلام المزدوج”‬       ‫مثل تلك التجسيدات والتشكيلات والتحولات” وقد‬
 ‫حيث اضطراب اللغة وتشوهها وتكرارها على نحو‬
    ‫ساخر وعلى نحو جاد‪ ،‬نماذج القرين في الأدب‬         ‫عكست هذه التحولات والتبادلات في الهوية ذلك‬
                                                   ‫القلق العام الذي شعرت به الشخصيات في المدينة‪.‬‬

                                                        ‫كما أن هذا القلق قد انعكس بدوره على شكل‬
                                                      ‫الحياة الحديثة في المدينة أي ًضا‪ ،‬وبخاصة خلال‬
                                                  ‫الليل والظلام‪ ،‬فالمدينة أي ًضا ‪-‬هنا‪ -‬فقدت تماسكها‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25