Page 25 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 25
تبدو صورة "العالم المائل" وفق قراءة لا يقف عند حدود الموت .تتجرأ قصيدة
يماني لتجعل من الموت هذه المرة عالمًا ما
شمولية كسفينة ما تزال مؤخرتها ورائيًّا ،بعد أن كانت تقف على أعتابه في
تجارب سابقة .هذه المرة لا يترك يماني
تطفو فيما مقدمتها بالفعل تحت الماء. المقبرة ويستدير ،بل يدخلها ،وربما هذا ما
يمنح هذا الكتاب بالتحديد ،فوق تجارب
وجود عالق ،لا يمكن وصفه بالناجي ولا يماني السابقة ،ح ًّسا ميتافيزيقيًّا فاد ًحا.
اللغة الشعري ُة أي ًضا تبدو هنا في مراوح ٍة
وسمه بالغارق .الصعود والهبوط ،فعلان عميقة ،بين وج ٍه تداولي ،تشف فيه الدوال
عما وراءها وصو ًل لمفارق ٍة شعرية ،ووج ٍه
مهيمنان هنا ،بين تسّلق جبل مع حبيبة أكثر عتمة ،يحتاج جه ًدا أعمق في التأويل،
وتبدو فيه اللغة عصي ًة على العمل كجس ٍر
-مغادرة الأرض نحو الأعالي في تجسي ٍد
يشف نحو ما ندعوه الدلالة .المراوحة
شديد الرمزية لفكرة الحب نفسها -وهبوط نفسها تنعكس على توتر القصيدة ،اقترا ًبا
مقبرة ،نحو ما تحت الأرض ،كذات منفردة وابتعا ًدا من السرد وعنه ،والذي يبقى
عنص ًرا أصي ًل ،لا ُتنكره قصيدة يماني
إجبار ًّيا ،حيث لا شراكة في لحظة الموت. بينما تنقب بلا هوادة في السردي عن
منصة إطلاقها« :الحدث». الشعري.
ثمة قصيدة مث ًل مثل «أغني ٍة للأطفال» ،منبعها
جسد القصيدة على رفات الحكاية
سردي ٌة واضحة« :الأولاد قرروا قتل أول
عابر /لم يكن الأم ُر شخصيًّا /ليته كان /.على لا قصيدة في «الوداع في مثلث صغير» تخلو
من مدين ٍة مرتد ٍة إلى مكوناتها المكانية الجزئية،
مقع ٍد في الحديقة العامة المظلمة ،يلهون /،لم علاماتها ال ُصغرى ،من خلال جس ٍد في وضع
يكن الأمر شخصيًّا /ليته كان /.كان قاد ًما من
حركة :التنقل في غرفة ،التقدم في بيت ،عبور
العمل ،من سهرة مع الأصدقاء ،من السجن، شارع ،طلوع رصيف أو هبوط منحدر .ويبدو
من بيت أقاربه ،من مدينة أخرى ،من بلد آخر،
من تعب ،من غرفة العشيقة /،كان قاد ًما وذلك المكان مع الحركة كأنه يمشي أي ًضا ،يتحرك،
كان كافيًا /.ص ّوب أصغرهم ،وضعوا السلاح ليظهر ويختفي بدوره ،لذا فالمكان في قصيدة
يماني ليس فقط حي ًزا يرصده العابر .المكان
اليدوي في يده /،ضحكوا وقالوا له اضغط
يا عبيط /وضغط العبيط /.انفجر البارود نفسه هو العابر.
في صدر الرجل القادم /وانفجر الأولا ُد في كل انتقا ٍل في المكان سرد ،تصحبه حركة
الضحك وفروا هاربين /.سقط سقط ًة بسيطة حتمية في الزمن أي ًضا .ربما لذك ليس مستغر ًبا
ولم يتمكن من شق قميصه كي يرى الجرح أن قصائد يماني في عديد الأحيان تنهض بلا
مواربة على موا ٍد حكائية ،حيث يتمدد شبح
الغائر». قصة خلف القصيدة :واقعة ما ،تستدعيها
لن يخطئ قار ٌئ تم ُّثلات الحكاية هنا ،حتى أن الذاكرة أو تلتقطها العين أو يختلقها الخيال.
عبارة حوار س ُتطرح بالعامية ،وهو ما لا يجرؤ المروية يجري اختبار جوهرها الشعري ،ودون
استبعا ٍد كامل لأفقها الحكائي ُيعاد تشكيل
عليه كثير من الساردين. عناصرها ،بحيث تطفو المفارقة الشعرية فوق
بمنط ٍق شبيه تتحقق قصيدة مثل «سينما