Page 27 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
العبور عندما يخاطب الشعر أو الحبيبة ،سواء كانت
الصيغة متلف ًظا أو تدوينًا ،وسواء كان هو من
بين الاستشراف والاسترجاع تتحقق حركة ينتج الخطاب أو يتلقاه« :عزيزتي»« ،بعد أعوام
إعادة تشييد العالم شعر ًّيا ،وبالذات فيما
تصلني رسالة منك» ،إلخ.
يخص «أحلام اليقظة» ،هذا العنصر الجوهري في ظني ،فإن قراءة تجربة «الوداع في مثلث
للغاية في هذه التجربة ،والذي يعانق مشهد
صغير» خارج تساؤلها عن الشعر نفسه،
الواقع تارة ويزاحمه تارة حد ابتلاعه بالكامل يخصم الكثير من أفقها .ليست القصيدة هذه
في عد ٍد ليس بالقليل من القصائد. المرة إيها ًما فقط ،بل ثمة جانب من تعريتها،
التساؤل حول جوهرها ،ثمة السؤال عن ماهية
بلا هوادة ،تتساءل الذات عن إمكانية العبور، الشعر ،دوره ،جدواه« .هل أنت كائن حي؟»،
المستحيلة ،من غرفة التورط في الخبرة إلى
هذه هي العبارة الأولى في نص «أسئلة إلى
غرفة هذه الخبرة وقد صارت متلف ًظا ،ن ًّصا، الشعر» ،بكل ما فيه من حمولات نظرية ،وهو
خطا ًبا .ثمة قصيدة تستمع فيها الذات لحيا ٍة النص المتصل في كتل ٍة سائلة بسطو ٍر متصلة
كاملة عبر سماعة التليفون ،وتنتهي بالذات
غير موزعة على فضاء الصفحة ،لتصبح
وقد صارت جز ًءا عضو ًّيا من المشهد الذي القصيدة التي تتساءل عن الشعر بالذات
يصلها مختز ًل في كلماته .إنه تمثي ٌل هائل مصبوبة في قالب لا يوحي طباعيًا بقصيدة!
لأمنية حارقة ،تطفو بالكثير من نصوص الشاعر يملك سؤال الناقد ،والتغريب قائم فيما
المجموعة من خانة الواقع إلى حلم اليقظة .وهي ينزاح ذلك الحائط ليحل الشاعر نفسه محل
في تقديري خصيص ٌة مهيمنة في هذا الكتاب القناع التقليدي الذي ندعوه بالذات الشاعرة..
الشعري ،فثمة دائ ًما ذلك التداخل بين مشهدي ٍة والقصيدة يحق لها أن تكون موضو ًعا لنفسها،
تلتقط الخارجي بالتماهي مع مشهدي ٍة تجسد
وسؤا ًل داخل النص الشعري.
المتخيّل ،قبل أن تطرحه نحو الخارج. وإذا كانت اللغة مقايض ٌة بغر ٍض دنيوي
«العبور» :إنه مفتاح مهم في تقديري لقراءة استعمالي هو تبادل المعنى ،فإن الذات الشاعرة
«الوداع في مثلث صغير» .ثمة دائ ًما جسد تجعل منها مقايض ًة مع الإله مستبدل ًة الوظيفة
في برزخ ،ثمة دائ ًما ذلك الخطو الوشيك بين الاستعمالية للمقايضة بنظيرتها الجمالية
مكانين ،أو زمنين ،أو عالمين ،حيث «يختفي التي تساوي الوجود نفسه« :كن ُت أصرخ
الوحش وغابة الأشجار والماضي /ثم يختفي في الليل /مخاطبًا الإله /:مقابل كل ألم كبير
الثور والعالم من فوقه /ثم يختفي الكلام امنحني قصيدة /مقابل كل حبيب ٍة ذهبت
والصمت /ثم يختفي الشرق والغرب» .فقط امنحني كتا ًبا /،مقابل كل نظرة كسيرة بيتًا
بزوال الحدود ،بانتفاء الخرائط ،قد ُتدرك الذات من الشعر /،وفي مقابل شرور البشر امنحني
ليل ًة كاملة /أكتب فيها ثم أنام في الخامسة
نفسها في مطلق العالم.
خطوة واحدة تكفي ليتحقق العبور .خطو ٌة صبا ًحا /ناسيًا شرورهم».
واحدة لتصبح الحيا ُة قصيد ًة ،واليقظ ُة منا ًما، بل إن الموت يترى كنبوءة متصلة بالقصيدة
والبي ُت مقبرة ،والخطو ُة العرجاء على الأرض النهائية حين تفقد كلماتها« :سأموت مباشرة
بعد أن أقرأ قصيدة واحدة ،سأتركها تفلت
جناحًا للأعالي من بين أصابعي /،سأدع حروفها تغيم حر ًفا
وراء آخر /حتى لا تصبح قصيدة في النهاية/
* دار ميريت ،القاهرة.2021 ،
وساعتها سأغمض عيني عليها نهائيًّا».