Page 26 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 26

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪24‬‬

                                                ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

  ‫في «الوداع في مثلث صغير» لا قصيدة تخلو‬          ‫الحي»‪ ،‬والعنوان نفسه يعد بحكاية‪« :‬صانع‬
       ‫من استدعاء دال «الكلمات»‪ ،‬من الهمس‬             ‫معارك السينما المعروف‪ /‬سكن شارعنا‬

    ‫للصراخ‪ ،‬ومن العبارات التداولية المفهومة‬        ‫في آخر حياته‪ /.‬في العصاري يضع كرسيًّا‬
       ‫لتلك الأقرب لشفرة‪ ،‬ومن التساؤل عن‬        ‫مري ًحا‪ /‬أمام بيته ويجلس بوجهه المحمر‪ /.‬لا‬

    ‫الكلمات‪ ،‬سواء حين ُتنطق‪ ،‬أو لدى البحث‬         ‫يتحرك عند اندلاع معركة في الشارع‪ /‬ينظر‬
   ‫عنها‪ ،‬عن جدواها وخوائها م ًعا‪ .‬تبسط هذه‬          ‫للمتعاركين بطرف عينه‪ /،‬لكنه أحيا ًنا كان‬
‫المفردة هيمنتها على القصائد‪ ،‬حتى أن محاولة‬
 ‫حصرها ستغدو ضر ًبا من الإحصاء الجاف‪.‬‬             ‫يهم بالوقوف‪ /‬كمن يريد تعديل ضرب ٍة ما‪/‬‬
 ‫الذوات الشعرية في قصيدة أحمد يماني دائ ًما‬         ‫أو وضع أحد المتعاركين في موضع آخر‪/.‬‬
   ‫تتكلم داخل القصائد‪ ،‬تتبادل الحوار‪ ،‬سواء‬
  ‫َنقلت القصيدة كلماتها المباشرة على ألسنتها‪،‬‬   ‫وفجأة يسحب كرسيه إلى الداخل‪ُ /‬يلقي نظرة‬
 ‫أو اختزلتها على لسان الذات الشاعرة‪« .‬حياة‬      ‫أخيرة على المعركة‪ /‬ويضرب كفيه ببعضهما‪/‬‬
   ‫الكلمات وموتها»‪ :‬إنه خ ٌط آخر يسعى نص‬
                                                        ‫متحس ًرا على تلك الأشباح التي تتحرك‬
                               ‫يماني لشرحه‪.‬‬         ‫أمامه‪ /‬صارخ ًة فقط ومبتعدة قدر الإمكان‬
 ‫قصيدة «النصيحة» مث ًل تمثل خطا ًبا مباش ًرا‬       ‫عن التشابك‪ /.‬بفمه في طريقه للداخل يضع‬
   ‫بالكامل على لسان صاحبته لا تتدخل الذات‬         ‫المؤثرات الصوتية‪ /‬وفجأة يصبح للضربات‬
                                                  ‫معنى‪ /‬إذ يشتبك الحش ُد في النهاية على وقع‬
    ‫الشاعرة فيه إلا بتعليقها في السطر الأول‪:‬‬
    ‫«قالت لي»‪ .‬إنه مونولوج لأنثى لن يلبث أن‬                 ‫أصواته‪ /‬ويذهب هو إلى سريره»‪.‬‬
 ‫ينتهي بنصيحة تخص الكلمات‪« :‬تبجح ولكن‬            ‫هاتان القصيدتان نموذجان ليس إلا على نمط‬
  ‫قلي ًل‪ /،‬دون أن تذكر أب ًدا‪ /‬لمستها لروحك‪/‬‬
    ‫لأنك أنت نفسك لن يمكنك‪ /‬أب ًدا أن تعرف‬          ‫من القصائد «السردية» التي تلتقط مشه ًدا‬
                                                ‫قصصيًّا محافظ ًة حتى على زمنيته الداخلية في‬
                                     ‫الكلمات»‪.‬‬  ‫تعاقب حلقات الحدث خطيًّا من بدايته لنهايته‪.‬‬
      ‫لكن ثمة أنثى أخرى‪ ،‬على النقيض‪ ،‬تفعل‬
  ‫العكس بالضبط‪ ،‬ومجد ًدا تتدخل الذات بأقل‬          ‫لا يخشى يماني هذا الاقتراب من السرد في‬
    ‫قد ٍر ممكن كي تفسح أمامها المشهد كام ًل‪،‬‬      ‫أقرب نقطة‪ ،‬ويراهن على استنهاض الشعري‬
   ‫في القصيدة التي تحمل دون مواربة عنوان‬        ‫سواء من خلال طبيعة المفارقة‪ ،‬أو قوة العبارة‬
       ‫«الكلمات»‪« :‬لماذا أرادت الالتحاق بحشد‬      ‫الشعرية التكرارية المو َّقعة من قبيل «لم يكن‬
     ‫الكلمات؟‪ /‬بالأفكار التي لا تملكها‪ ،‬باللغة‬  ‫الأمر شخصيًّا‪ /‬ليته كان»‪ ،‬وقد فعلها من قبل‬
   ‫التي تخدعها هي أو ًل؟‪ /‬ومحدثها حائر في‬        ‫في إحدى أبرز قصائده «تحت شجرة العائلة»‬
 ‫صياغاتها المفاجئة والغامضة‪ /‬والخارجة عن‬
‫كل سياق‪ /.‬ماذا فعلت الكلما ُت بتلك المرأة بعد‬       ‫التي شيّدت محكية الأب‪ /‬الأسرة شعر ًّيا‪.‬‬
                                                  ‫وإذا كان من ملحوظ ٍة هنا‪ ،‬فإن جرعة السرد‬
                              ‫عشرين عا ًما؟»‪.‬‬      ‫تعلو كما كان منبع القصيدة مسقط الرأس‪،‬‬
      ‫الكلمات هي الشعر أي ًضا حين تنتقل من‬
  ‫التلفظ إلى التدوين‪ .‬الشعر يحضر كموضو ٍع‬             ‫بينما تزدا ُد خفو ًتا في «الأرض الجديدة»‪،‬‬
‫شعري‪ ،‬مؤن َسن حد أن الذات تخاطبه مباشر ًة‬       ‫وكأن طاقة المحكي قرينة التكوين الأول أو ظل‬

        ‫كمخاطب‪ .‬قلما يستخدم يماني ضمير‬              ‫الفطرة حتى ونحن بصدد وجدا ٍن شعري‪.‬‬
      ‫المخاطب‪ ،‬بكل ما فيه من شحنة عاطفية‪،‬‬
‫مناجاة‪ ،‬وربما هذا نفسه فخ‪ .‬لذا يوظفه يماني‬               ‫الكلمات التي قيلت‪،‬‬
   ‫في مواضع محددة بعناية‪ ،‬ويركن إليه فقط‬                ‫الكلمات التي لم ُت َقل‬

                                                    ‫لا يلبث دال «اللغة»‪ ،‬ال ُك ّل المج ّرد أن ُيفسح‬
                                                  ‫المجال للدال الذي يمثل ُمك ِّون اللغة المتج ِّسد‪:‬‬

                                                                                    ‫«الكلمات»‪.‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31