Page 29 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 29

‫‪27‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

                                                                          ‫إلى تحسين صورته الفردية في‬

                                                                          ‫وعي من حوله‪ ،‬أو صورة‬

                                                                          ‫جماعته (العشيرة‪ /‬القبيلة) أو‬

                                                                          ‫الوطن‪ ،‬ويسمى ذلك (الفخر)‪،‬‬
                                                                          ‫وقد يكون هذا الحال سلو ًكا‬

                                                                          ‫يلجأ إليه المادح تجاه شخص‬

                                                                          ‫آخر‪ ،‬وقد يكون تجاه امرأة‪،‬‬
                                                                          ‫ويسمى ذلك إجما ًل (الغزل)‪،‬‬

                                                                          ‫وقد يكون تجاه من مات‪،‬‬

                                                                          ‫ومدح الميت يسمى في الثقافة‬

                                                                          ‫العربية (الرثاء)(‪.)9‬‬

                                                                          ‫والمدح بمظاهره المتنوعة إذا‬

                                                                           ‫كان انعكا ًسا لرغبة إنسانية‬
                                                                          ‫عامة في الحضور المتفرد فإنه‬

                                                                          ‫بلا شك يتصل كذلك بدوافع‬

‫إبراهيم ناجي‬  ‫أحمد شوقي‬                                     ‫حافظ إبراهيم‬   ‫وثيقة الصلة بطرفي عملية‬
                                                                          ‫الاتصال (المادح والممدوح)‪،‬‬

   ‫هذا المدح؟ (سؤال القالب الذي نصب فيه رؤيتنا تجاه‬         ‫تجعلنا نسأل‪ :‬لماذا نلجأ إلى المدح في علاقاتنا الإنسانية‬
   ‫الممدوح)‪ ،‬ولهذا الأخير مظاهر قولية وغير قولية؛ فقد‬
‫يكون المدح في شكل منحوت أو مرسوم مث ًل‪ ،‬وقد يكون‬            ‫على امتدادها وتشعبها؟ هل لأن الكلمة الطيبة صدقة كما‬
‫في شكل قصيدة شعرية أو خطبة أو مقال أو كتاب مؤلف‬
  ‫يتضمن سيرة ويسرد مآثر‪ ..‬إلخ‪ ،‬وما الذي قد يترتب‬            ‫أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟(‪ ،)4‬هل لتحقيق‬

                         ‫على هذا السلوك من نتائج؟‬           ‫مآرب ومنافع لكلا الطرفين؛ أي المادح والممدوح؛ الأول‬
   ‫إن الفن بأشكاله المتعددة من رسم ونحت وموسيقى‬
                                                            ‫يريد الحصول سواء أكان ذلك بالمال أم بالمنزلة‪ ،‬والثاني‬
      ‫وأدب بفنونه المختلفة تتضمن هذا الحضور للوجه‬
‫الإيجابي للذات المتمثل في المدح بتجلياته الدلالية العديدة‪،‬‬  ‫يريد تلميع صورته في عيون من حوله؟ ووفق هذا المنحى‬
 ‫وربما كانت العلة الإطار وراء هذا السلوك الذي أضحى‬
                                                            ‫تصير العلاقة بين الطرفين علاقة نفعية (براجماتية)‪ ،‬هل‬
     ‫جز ًءا من بنيان الإنسان الحضاري تتمثل في الرغبة‬
     ‫الجادة في التطهر‪ ،‬في تصفية الذات من شوائبها‪ ،‬في‬        ‫اللجوء للمدح نابع من خوف؛ ومن ثم يصير هذا السلوك‬
   ‫السمو بها بعي ًدا عن شهوانية الواقع الأرضي؛ لتكون‬
     ‫جديرة بالارتفاع من جديد لتدرك مرة ثانية جنتها‬          ‫بمثابة تقية وطلبًا لنجاة وبحث عن أمان؟ إننا بالنظر إلى‬
                                                              ‫السببين الأخيرين نجد أنفسنا أمام ما يمكن تسميته‪:‬‬
        ‫المفقودة التي خرجت منها ذات يوم مع النسيان‬
   ‫والمخالفة؛ المدح إ ًذا مع اتصاله بعلل آنية وثيقة الصلة‬   ‫المدح خو ًفا وطم ًعا؛ وهذا ما يجعل من النص الشعري‬
‫بدفتر يوميات المادح والممدوح كما ذكرنا آن ًفا تقف وراءه‬     ‫العربي تحدي ًدا الواقع تحت هذه الحالة مجا ًل لدرس‬
  ‫في نهاية المطاف علة رئيسة‪ ،‬لها مكان في العقل الباطن‬       ‫نفسي واجتماعي ثقافي يكشف ‪-‬بالتزامن مع مصاحبة‬

      ‫الجمعي؛ هي صياغة صورة يمكن نعتها بالملائكية‬           ‫كل تجربة شعرية على حدة‪ -‬عن العلل الكائنة خارج‬
       ‫النورانية لهذا الإنسان تنفي عنه أمارات العدمية‬
                                                            ‫النص الإبداعي؛ فالمدح على تنوع أشكاله في الشعر من‬
   ‫التي ألصقته وهبطت به إلى الأرض حيث الألم والفقد‬          ‫فخر ومدح وغزل ورثاء قد يكون فع ًل يقف وراءه عوامل‬

                                                                          ‫لها مكانها خارج القصيدة(‪.)5‬‬
                                                            ‫إن هذه القضية إ ًذا يمكن رصد أبعادها عبر محاور عدة؛‬

                                                            ‫كل محور في شكل سؤال‪ :‬لماذا نمدح؟ (سؤال العلة‬
                                                            ‫والغاية)‪ ،‬ومن نمدح؟ (سؤال العاقل المعنِي بهذا الفعل)‪،‬‬

                                                            ‫وماذا نقول عند المدح؟ (سؤال المحتوى أو سؤال المتن)‪،‬‬

                                                            ‫وكيف نمدح؟ (سؤال الآلية أو الإجراء)‪ ،‬وما مظاهر‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34