Page 34 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 34
العـدد 28 32
أبريل ٢٠٢1
توظي ًفا رمز ًّيا ،ولذلك فلن يقف كثي ًرا عند وصف المتحولين سياسيًّا إبان ثورة يناير ،خاصة من
الشخصية أو يبذل جه ًدا كبي ًرا في تحليلها نفسيًّا أُطلق عليهم فلول النظام السابق ،من أعضاء الحزب
الوطني المنحل ،وأي ًضا من الإعلاميين والصحفيين،
محاو ًل إخراج ما يعتمل بداخلها للقارئ؛ ولكن
يكتفي من إيرادها بالرمز ،فتأتي المرأة في علاقتها و ُكتّاب الأعمدة ،فهؤلاء كانوا بمثابة الأبواق التي
بالبطل بمثابة الرمز .ولقد رأى «رجاء النقاش» أن ُتمجد في نظام «مبارك» وحزبه ،وما لبثوا أن
«نجيب محفوظ» في «السمان والخريف» لم يعد تحولوا مع الثورة ،وتلونوا كالحرباء ليمجدوا في
يرسم شخصياته رس ًما تفصيليًّا فيقول« :نجد شباب 25يناير ويتحمسوا للثورة ويلعنوا العصر
شخصيات يرسمها نجيب محفوظ رس ًما عاب ًرا دون
أن يهتم بالتفاصيل والجزئيات ،فزوج «عيسى» البائد ،والحزب المنحل.
بطل الرواية لا تستغرق من اهتمامه أكثر من بضع
صفحات»( .)4وهذا يؤكد لنا أن «نجيب محفوظ» البطل بين اليأس والأمل
يوظف المرأة في علاقتها بالبطل توظي ًفا رمز ًّيا ،مما
يجعله لا يهتم بتفاصيلها الواقعية ،ولنضرب الأمثلة لقد بدأت أحداث الرواية بالحريق والدمار الذي
الدالة على ذلك من خلال تحليل علاقة البطل بالمرأة سينعكس فيما بعد على بطل الرواية« /عيسى
في الرواية: إبراهيم الدباغ» الذي يعمل مدي ًرا لمكتب أحد
سلوى /السياسة: الوزراء ،وبذلك فهو جز ٌء من النظام ،وكان «عيسى»
إذا قمنا بتحليل شخصية «سلوى» من حيث
علاقتها بالبطل سنكتشف أنها ترمز إلى «السياسة يتطلع ليكون وزي ًرا؛ ولكن طموحه لم يتحقق ،فقد
بوجهها الانتهازي»( .)5فعلاقة «البطل» بـ»سلوى» أُقيلت الحكومة عقب «حريق القاهرة» وتم نقل
تقوم على المصلحة ،حيث تقبله وترتبط به متى «عيسى» إلى قسم «المحفوظات».
كانت الحياة مقبلة عليه ،وترفضه وتفسخ خطبتها ولم يقتصر الأمر على نقله؛ إذ تعرض «عيسى»
منه إذا أدبرت الحياة عنه ،والملحوظ أن انتهازية
«سلوى» أو انتهازية السياسة ،تظهر بوجهين، للتحقيق من ِقبل لجنة التطهير عقب الثورة ،وقد
وجه صريح من خلال أبيها ،ووجه مراوغ أو غير ثبت فساده الإداري والسياسي وحصوله على
الهدايا والتحف والأموال من وراء تعيين العمد
مباشر. وعزلهم؛ ولذلك قررت اللجنة عزله عن عمله
فالوجه الصريح لها يظهر من خلال أبيها «على بك وإحالته للمعاش المبكر .ويتضخم داخل البطل
سليمان» الذي أخذ يتردد في زواج ابنته من البطل/
«عيسى الدباغ» ،وذلك بعد فصله من عمله ،ورأى الشعور باليأس وتتكون لديه رغبة ملحة في البعد
الأب من العقل ألا تستمر الخطبة ،وناقش «عيسى» عن البلاد إلى «مكان مجهول للأبد ،مكان لا سياسة
في ذلك ،ودار بينهما حوار عنيف أنتهي بطرد «على
فيه ولا وظائف ولا ثورات ولا ماضي»(.)3
بك» لـ»عيسى الدباغ» وفسخه للخطبة بشكل وتأتي النهاية عكس البداية حيث يفتح الكاتب أمام
صريح. البطل باب الأمل ،وذلك عندما يظهر له الشاب الذي
يرمز إلى العصر الجديد ،وكأن هذه النهاية ما هي
أما الوجه المراوغ لـ»سلوى» /السياسة فيظهر
حينما أخذ «عيسى» يتمسك بها ،ويحرص إلا محاولة لإقامة علاقة أمل ووئام بين «عيسى
الدباغ» ،وهو الوفدي الثوري القديم ،وبين «الشاب
على لقائها والحديث معها ،ولكن جوابها أتى
كالصفعة( .)6ومن الملحوظ أن الكاتب لم ُيصرح اليساري» الذي يمثل العصر الجديد.
بذكر الجواب أو رد «سلوى» على طلب «عيسى»،
ولكن فيما يلي من أحداث ستظهر انتهازية السياسة علاقة البطل بالمرأة /علاقة رمزية
بوج ٍه سافر عندما يقبل «علي بك سليمان» زواج
من أهم علاقات البطل المبتورة أو التي لم تكتمل هي
علاقته بالمرأة ،ومن الملحوظ أن «نجيب محفوظ»
لا يرسم المرأة رس ًما تفصيليًّا؛ ولكن يوظفها