Page 39 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 39
37 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
يتبع في ذلك عدة استراتيجيات منها التعاون ،أو تجمع في بنيتها (الشخصية النرجسية) التي لديها
المساومة ،أو التجنب ،وشخصية عيسى زوج تقييم إيجابي مبالغ فيه لاعتبار الذات؛ كالطموح
الممرضة فرح الذي طلب من الطبيب مبل ًغا من الزائد ،وأخيلة النجاح ،والشعور بالقوة المطلقة.
المال قائ ًل« :سأتخطى الصحراء للبلد المجاور،
في الرواية الحالية تتمثل (النرجسية) في شخصية
إنها فرصتي الوحيدة للخروج من سجن القرية»، طبيب الوحدة الصحية (علي) ،الذي كانت أخاييل
والشخصية السلطوية (السيكوباتية) التي تليف
ضميرها؛ فلا حراك فيه ولا اهتمام بآلام الآخرين، العظمة لديه جنبًا إلى جنب مع مشاعر النقص
والتي تسعى إلي (العدوانية) بهدف (الاستعراض)، الناتج عن انعدام وجود علاقة تبادلية مع الآخرين،
فيقول في بداية رحلته للبلدة التي سيعمل بها« :لا
والتي تنجح في الوصول إلى المناصب نظ ًرا
لانتهازيتها تمثلت في مأمور المركز والعمدة وعملهم يوجد بداخلي أي فضول للتعرف على هذا العالم
الجديد» ،ولذلك لجأ إلى التكيف الاجتماعي لإخفاء
وفق (مبدأ اللذة) من أجل خفض التوتر؛ ذلك أن
الوقاحة الأخلاقية مقترنة بقلة الحياء «ففي النهاية التشوه العميق في تلك العلاقات ،يدلل على ذلك
عندما وصل إلى مقر الوحدة الصحية المهجور،
لا تأبه السلطات قلي ًل بهؤلاء الذين يموتون في وكان دليله للسكن أقدم عامل بالوحدة بقوله:
القرى النائية» ،والشخصيات (السادية) التي تم «يتملكني الرعب ،أتخ َّل عن التعالي والبرود ،أريد أن
رصدها في سياق أحداث الرواية تمثلت في أقارب أتشبث به» .في الوقت نفسه ظهر الجانب الجنسي
زوج جليلة التي أقامت علاقة ُمحرمة مع رجل لديه في صورة الغواية الجنسية للممرضة فرح،
مسيحي ،بالتالي كان قتلها والاستيلاء على بيتها التي تعتبر شخصية نرجسية أي ًضا ،تعاني من فقر
وأموالها بمثابة انتقام عادل من وجهة نظرهم، وجداني للعلاقة بالموضوعات()2؛ فالموضوع مفقود،
نقصد بالموضوع ُهنا علاقتها بزوجها عيسى ،في
تقول« :منذ أن مات زوجي وهم يريدون أن نفس السياق مثلت فرح موضو ًعا ُمستغ ًل من
يستولوا على منزلي ومالي ،يعتقدون أن ميراثي جانب شخص آخر بالنسبة للطبيب علي ،لذلك
حقهم الطبيعي» ،وأهل القرية ومافعلوه مع أبانوب ارتبطت نرجسية علي وفرح بـ(الإثمية النوعية)،
عندما علموا بالأمر ،يقول الطبيب« :أستطيع أخي ًرا يقول الطبيب لنفسه بعد إقامة علاقة جنسية معها:
أن أتبين وجه أبانوب الخياط مها ًنا ومضرو ًبا «لا أدري سبب هذا الإحساس بداخلي ،إن كل ما
ومشجوج الرأس ،بلدة بأكملها يصرخون :كافر، أقوم به يثير الشبهات ،ربما هو الإحساس بالذنب».
كافر» ،رصد الكاتب ُهنا موقف أهالي البلدة في وتعاتب فرح نفسها بعد رحيل زوجها قائلة« :هل
غضب لأنني حاولت أن أنجب طف ًل من رجل
الاحتجاج على خرق عاداتهم المقدسة في حالة غيره؟ ندم قاس يشعرني بالألم» .من الشخصيات
جليلة وفي تسويغ الرد على هذا الخرق؛ ذلك أن النرجسية أي ًضا شخصية الغجرية الجازية ،التي
المساس بتلك العادات ُيلحق أضرا ًرا فادحة بال ٍسلم كانت نرجسيتها ذات توجه مزدوج؛ فهي تبحث
الاجتماعي كما يظنون ،نلاحظ أن العلاقة بين عن التفرد ،إلا أنها لا يمكن أن تعيش دون علاقة
المقدس وأفراد المجتمع ذات طبيعة وجدانية تتطلب
الاحتجاج أو الثأر ،تقول الممرضة فرح« :هنا لا أحد انصهارية(.)3
ينسى ،لا أحد يغفر»؛ لذلك جاء تناولنا للشخصيات ولأن الميكيافيلية سلوك يقوم على ال ِغش والخداع
(السادية) في الرواية دا ًل على أزمة (الاضطهاد والتضليل والإطراء الزائد ،واللا أخلاق ،والتشكك
الديني) القائم على تهميش مجموعات معينة في في الدوافع الطيبة للآخرين؛ فالشخصية الميكيافيليه
المجتمع وإقصائهم ،والذي تم التعبير عنه من التي تجيد فن التلاعب بكل من تتعامل معهم م ًّصا
خلال رصد (سادية المجتمع) ك ُكل تجاه المسيحيين لدمائهم واستغلالهم دون وازع ولا رادع ،والتي
وهروبهم عبر الصحراء من خلال القصة التي
روتها الغجرية الجازية لطبييب الوحدة الصحية تعتمد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة في الرواية هي
علي ،في رحلة بحثهم عن الهاربين عبر الصحراء: شخصية دسوقي السنجابي عامل الوحدة ،الذي