Page 41 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 41

‫على اعتبار أن (الكرب الأخلاقي) ينشأ عندما‬              ‫الملاذ؛ تفرض أيديولوجيتها لتصبح‬

‫يعلم الإنسان بأنه يتعين عليه وجو ًبا‬                   ‫دينًا يطلقون عليه في العلوم الاجتماعية‬
‫القيام بفعل صائب‪ ،‬لكن تحول القيود‬                         ‫(الدين السياسي)‪ ،‬استنا ًدا لل ُسلطة‬

                                                        ‫والقوة‪ ،‬في سياق أحداث الرواية محل‬

‫التنظيمية دون تمكينه من فعله‪ ،‬ذلك‬                      ‫القراءة‪ ،‬نجد أن المجتمع ُمطالب باعتناق‬
                                                         ‫معتقدات المقدس وتجنب الإساءة إليه‬
                                                                                                             ‫إهان ًة أو‬
‫أن (الوثنية السياسية) بوصفها فاشية‬                     ‫اتلنحفقي ًسراي؛ةللألانعذتلقاكدالمواقلمدُعتس ِقدي‪،‬دخل‬  ‫في البنية‬

‫ضد الإنسان؛ لاعتقادها أن رجل الدولة هو‬                 ‫الحالة الصنمية إ ًذا أزلية وخالدة‪ ،‬ولا‬

‫الملاذ؛ تفرض أيديولوجيتها لتصبح ديًنا‬                  ‫يمكن تبديلها؛ لأنها تتطلب وجود أوامر‬
                                                          ‫ونواهي وتفترض في الأفراد الطاعة‬

‫يطلقون عليه في العلوم الاجتماعية (الدين‬                ‫العمياء؛ ففي حالة مأمور القسم ومسألة‬
         ‫السياسي)‪ ،‬استنا ًدا لل ُسلطة والقوة‬            ‫الانتخابات استطاعت ال ُسلطة بقليل من‬
                                                          ‫الحكمة الإفلات من قبضة الاستفزاز‬

                                                       ‫واتباع أسلوب النفاق الذي يضع النقاط‬

                                                       ‫فوق الحروف بنهج عقلاني محكم‪،‬‬

                                                       ‫هو الأمر الذي أ َّدى إلى إحساس طبيب‬
                                                           ‫الوحدة الصحية بـ(ال ُجرح الأخلاقي) والخزي‬
  ‫تركت لنا إر ًثا من المخلفات الظلامية والاضطهاد‬           ‫نتيجة عدم التزامه السلوكي بنسق القيم الذي‬
    ‫المجتمعي‪ ،‬دفعنا ذلك إلى محاولة فهم ما يكنه‬            ‫يؤمن به إلا بدرجة طفيفة‪ ،‬والذي سبب له حالة‬
                   ‫(المكبوت) في ساحة اللاوعي‪.‬‬          ‫من التوهان‪ ،‬رصد لنا الكاتب أي ًضا فجيعة الإنسان‬
                                                         ‫في ذاته الأخلاقية‪ ،‬وما ترتب عليه من انقسام في‬
  ‫في رواية «طبيب أرياف» اتجهت لغة الحكي إلى‬               ‫الضمير‪ ،‬من خلال علاقة الحب التي نشأت بين‬
‫توريط المتلقي في إشكالية الإضطهاد المجتمعي من‬           ‫طبيب الوحدة الصحية وبين الممرضة فرح؛ نتيجة‬
                                                           ‫ارتكابهم حماقات سلوكية تمثل مفارقة بين ما‬
   ‫خلال إعادة النظر في أفعال الشخصيات وربما‬              ‫يؤمنون به وما صدر عنهما من تصرفات‪ ،‬يقول‬
‫في أفعاله ذاتها‪ ،‬والتبرير باعتباره إنسا ًنا مسلوب‬        ‫الطبيب لها‪« :‬كانت رغبة تحولت لعشق»‪ ،‬ويقول‬
‫الإرادة في معظم الأحيان‪ ،‬فعلى الرغم من أن أفعال‬        ‫لنفسه‪« :‬لم يكن زوجها إلا ظ ًّل عاب ًرا» ويردد نفس‬
‫الشخصيات في الرواية من الرجال والنساء عبرت‬                  ‫الجملة وهو «يركب أحلاهم» عائ ًدا إلى البلدة‪.‬‬
  ‫بلغة صريحة عن رفض الواقع وما يتضمنه من‬
                                                                      ‫خاتمة‬
   ‫عنف وتحقير وإساءة‪ ،‬فإن نمط الحياة الرتيب‬
  ‫القائم على النزعات المثالية لا يقبل التبديل‪ ،‬و ُيعد‬
   ‫الفرد فيه موطن الشرور‪ ،‬فإن شط عن القواعد‬

    ‫الاجتماعية؛ فمصيره البتر»(‪ ،)8‬اتضح ذلك في‬

 ‫الإشارات النصية التي تصف المكان‪ ،‬والتي لا‬              ‫على افتراض أن «معنى الحرية لا يمكن أن ُيفهم‬
‫يمكن تجاهلها؛ فكلما كان المكان الروائي رتيبًا‪،‬‬            ‫فه ًما كام ًل إلا على أساس تحليل الطابع الكلي‬
‫هيمن على الشخصيات المونولوج الذهني الذي‬
                                                       ‫للإنسان»(‪ ،)7‬ولأن القابلية للتبعية تركيبة نفسية؛‬

 ‫ُيحيل على غيابها الواقعي وحضورها الطيفي‪ ،‬ثم‬             ‫فأي سلوك نحو الحرية‪ ،‬أو نحو الخضوع مرتبط‬
‫ظهور بطل الرواية الطبيب المستلب بوصفه كاش ًفا‬          ‫بتجارب الإنسان الفردية الانفعالية؛ يبدو أن انتشار‬

‫الأفكار الفردية اللاغية للآخر المختلف عبر مسالك للاضطهاد المجتمعي‪ ،‬والذي يتسم بذات زئبقية‬

‫وجدت نفسها إزاء ماض يلاحقه تم استرجاعه في‬              ‫البقاء للأقوى‪ ،‬والنزوع إلى العنف واللا تسامح‪،‬‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46