Page 46 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 46
العـدد 28 44
أبريل ٢٠٢1
العاطفي والارتواء العلمي من جهة أخرى ،و ُد َو َننا الشرقي فيه شيء من شهريار لكنه ليس نسخة
هذا المقطع السردي فخلي ٌق به أن يلمم أجزاء صورة مشابهة له ،وفهمت كذلك ،ما فهمه العديد قبلي ،أن
التعميم تعسف ينتج عن الاعتداد بالأنا الجمعي ،أما
الآخر كما تنعكس في مرآة الأنا: مراد الوعل فلم يكن بعي ًدا عن شهريار ،لكنه كان
«جوليا ممددة فوق السرير ،جسده القمحي
لا يذكرني سوى ب ُممثِّلات الأفلام الفاضحة، مثق ًفا من الدرجة الأولى»(.)4
بجمالهن وأناقتهن الباذخة ..ك َّن وما زلن بطلات إن هذا المقطع السردي َل ُيو ِّض ُح أن الأفق الذي
أحلام المجتمع الثالث قاطبة مع الاكتساح الفضيع َك َّو َن ْت ُه (جوليا) عن الإنسان الشرقي (مراد) بوصفه
إنسا ًنا متوح ًشا وجاه ًل قد ُخرق بعد معايشة هذا
والشامل لثقافة الصورة»(.)5 الإنسان والاحتكاك به ،وبالتالي فإن (جوليا) أعادت
والمتأمل في هذا المقطع السردي لا بد أن يلاحظ بناء صورة الإنسان الشرقي بوصفه ذا ًتا مفكرة
أن الأنا الشرق قد رسمت ،عن غير وعي ،صورة ومبدعة ،وإنسا ًنا متحض ًرا ومتقد ًما ،كما تأكدت
حول ذاتها بما هي ذات تعاني من الكبت والحرمان، أن ما َت َر َّسب في النَّ َسق الفكري والشعوري للآخر
وتتذ َّمر من القبح والبشاعة التي تستشري في الغرب من صور وتمثلات عن الشرق يحتاج إلى
أقاليم الشرق .وهكذا فإن الأنا تحمل صورة جميلة
عن الآخر ،كما ُت َعبِّر عن إعجابها بحضارة الغرب محو وإعادة بناء.
وقيمه ،هذا الإعجاب الذي ينقلب إلى تقليد الآخر في
بعض من عاداته ،لنتأمل سلوك (مراد) في حضرة -2صورة الآخر في مرآة الأنا
(جوليا): يغوص هذا المتن الحكائي في ذاكرة الأنا الشرق
«جوليا ،أخذت السكين بيد والشوكة باليد الأخرى، وما تراكم في زواياها المظلمة من تمثلات عن الآخر
وكانت تضع من حين لآخر قطعة لحم في صحني الغرب ،من ثمة فهذا ال َّص ْوغ السردي يستظهر في
وتصب لي النبيذ .أما أنا ،فكنت لسبب ما آكل على أفعال تلفظية وأفعال سلوكية ما تستضمره الأنا،
طريقتها المتأنقة»(.)6 في اللاوعي الجمعي ،من صور وأحكام عن الآخر
إن هذا الفعل ( َت َش ُّب ُه مراد بطقوس جوليا في وما تختزنه من مشاعر وأفكار عن الغرب.
الأكل) يعكس افتتان الأنا الشرق بحضارة الآخر وتنكتب في هذا ال َك ْون الحكائي صورتين عن الآخر،
وعاداته الاجتماعية ،كما يترجم رف ًضا مب َّطنًا للإرث
العادا ِت ِّي والمحصول الق ْي ِم ِّي للأنا الجمعي ،ويعبر، وكل صورة تستدعي في وجدان الأنا الشرق
شعو ًرا يتحكم في علاقته بالآخر الغرب .وتتجلى
كذلك ،عن طموح مضمر لبناء تراكمات جديدة الصورة الأولى التي وشمت الذاكرة الجماعية في أن
الأنا تنظر
إلى الآخر
بما هو
مثال للتقدم
الحضاري
والتفوق
الاجتماعي
والتحرر
من جهة،
ونموذج
للجمال
والإشباع