Page 47 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 47

‫‪45‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫الذين عاشوا في هذه المرحلة التاريخية‪ .‬فهذا المتن‬                ‫من العادات والقيم التي تتواءم ومتغيرات العصر‬
  ‫الروائي يعيد كتابة تاريخ تلك المرحلة معتم ًدا على‬                                            ‫وإبدالاته البنيوية‪.‬‬

    ‫شهادات من عاين ذلك الحدث آنة‪ ،‬ومستن ًدا إلى‬                  ‫إن نظرة الأنا إلى الآخر بشكل انبهاري لا ينبغي أن‬
    ‫ما نسجه العقل الحكائي من أساطير وم ْرو َّيات‬                  ‫يغطي على صورة أخرى تنكتب في النسق الفكري‬
 ‫عن هذا الحدث آنة أخرى‪ ،‬كما ُتسائل هذه الرواية‬                   ‫والشعوري للأنا حول الآخر‪ ،‬وتتجلى هذه الصورة‬
‫علاقة الآخر (المستع ِمر) بالأنا (المستع َمر) وما طبع‬             ‫في أن الأنا تنظر إلى الآخر بوصفه عد ًّوا يسعى إلى‬
  ‫تلك العلاقة من صراع من أجل البقاء واستنزاف‬                     ‫إضعاف الأنا واستنزافها‪ ،‬وإمبيرالِيًّا يتوق إلى بناء‬
                                                                  ‫مجده الحضاري وكتابة أسطورته الشخصية على‬
                           ‫معنوي ومادي للذات‪.‬‬                    ‫حساب شقاء الأنا وتعاستها‪ ،‬ولعل ذلك ما يضيئه‬
       ‫و ُيقدم هذا الصوغ الحكائي الآخر (الرومي)‬                                              ‫هذا المقطع السردي‪:‬‬
 ‫كصياد لا يلقى ل َّذ َت ُه إلا في ما تحصده البندقية من‬                ‫«سألت نفسي‪ :‬هل كان عد ًل أن يموت سيدي‬
     ‫طرائد بشرية‪ ،‬هذا الفعل الذي ينقلب إلى طقس‬                        ‫عيسى؟ لا بد أن السفاح الرومي كان ذا قلب‬
    ‫يومي يدمنه الآخر كرياضة مفضلة ويستهويه‬                        ‫كقلب جوليا‪ ،‬لا يلتفت إلى شيء سوى لأسطورته‬
‫كمنبع للذة‪ ،‬لنتأمل هذا المقطع السردي الذي يؤرخ‪،‬‬                              ‫الشخصية ومشاريعه الإمبريالية»(‪.)7‬‬
                                                                       ‫ويبدو أن الإرث الكولونيالي قد وشم الوعي‬
          ‫بأسلوب روائي‪ ،‬للاسم المغربي الجريح‪:‬‬                    ‫ال َج ْمعي وفرض على الأنا أن ُت َق ْولِ َب الآخر في قالب‬
‫«قدم هذا المستعمر الأول حام ًل معه حق ًدا وبندقية‪،‬‬                    ‫واحد بغض النظر عن حركية التاريخ‪ ،‬فالآخر‬
                                                                  ‫وإن تأخر به الزمن عن حقبة الحملات الإمبريالية‬
   ‫وجعل يصطاد من برجه العالي كل يوم فر ًدا من‬                      ‫ليس‪ ،‬في ُع ْر ِف الأنا‪ ،‬إلا إمبرياليًّا جدي ًدا‪ ،‬من ثمة‬
    ‫القرية‪ ،‬كانوا يسقطون قتلى دون أن يجرؤ أحد‬                       ‫فالشعور الذي يحكم علاقة الأنا بهذا الآخر هو‬
  ‫على بلوغه لأنهم يدركون أن الموت إن فاتهم وهم‬                    ‫ال َت َو ُج ُّس من أفعاله وال ّريبة من تصرفاته لأنها قد‬
     ‫يصعدون الجبل فلا بد أن تدركهم بندقية هذا‬                    ‫تستضمر استنزا ًفا للأنا على الرغم مما ت ْظ ِه ُره من‬
                                                                                                    ‫حب ومودة‪.‬‬
                                     ‫السفاح»(‪.)8‬‬
      ‫إن المتأمل في هذا الفعل (صيد الرومي لأبناء‬                 ‫‪ -3‬علاقة الآخر بالأنا‬
  ‫القرية) لا بد أن يلاحظ أن الآخر ينظر إلى الشرق‬
‫بوصفه غابة مفتوحة وإلى إنسان هذا العالم بوصفه‬                     ‫تنفتح هذه المدونة‬     ‫‪ :1 -3‬الأنا َك َصي ٍد بشر ٍّي‬
 ‫فريسة ناطقة‪ ،‬كما أن هذا الفعل يستبطن‪ ،‬في بنيته‬                  ‫الروائية على مغرب‬
   ‫التحتية‪ ،‬صورة الآخر عن نفسه وما يرسمه من‬                      ‫ما قبل الاستقلال‪،‬‬
  ‫تمثلات عن ذاته بما هي ذات مفكرة وفريدة‪ ،‬وما‬
    ‫ينسجه من أحكام عن عالمه بما هو عالم التمدن‬                     ‫وهذا الانفتاح لم‬
  ‫والثقافة‪ .‬وينفي هذا الفعل‪ ،‬كذلك‪ ،‬ما ُت َر ِّو ُجه الآلة‬          ‫ينكتب إلا عبر ما‬
    ‫الإمبريالية من أن ُع ُبو َر الآخر إلى أقاليم الشرق‬
     ‫َت َغيَّا تعميم الأنوار و َت ْمدين هذا العالم‪ ،‬ويؤكد‪،‬‬           ‫تكتنزه الذاكرة‬
      ‫بالمقابل‪ ،‬أن هذا العبور تغيا الانتقال بالشرق‬                    ‫الجماعية من‬
‫وإنسانه من الوجود بالفعل إلى الوجود بالقوة‪ ،‬كما‬
   ‫يعكس هذا الفعل ما ينزوي في وجدان الآخر من‬                     ‫أحداث ووقائع عن‬
   ‫نزوعات َسا ِد َّي ٍة ورغبات َت ْد ِمي ِر َّي ٍة‪ ،‬وما يستبطنه‬    ‫هذه الحقبة‪ ،‬وما‬

         ‫عقل الآخر من عداء وحقد للذات المُ َغايرة‪.‬‬               ‫تتداوله الألسن من‬
     ‫والحاصل أن هذه الرواية وثيقة تؤرخ للاسم‬                      ‫حكايات وأحاديث‬
‫المغربي الجريح‪ ،‬وما َت َج َّش َم ُه هذا الاسم من َعذا َبات‬       ‫ذات َس َن ٍد يعود إلى‬
       ‫ومآسي سنوات ال َم ِّد الإمبريالي‪ ،‬كما َت ْس َت ْذ ِك ُر‬

        ‫انتهاكات الآخر وجرائمه في حق هذا الاسم‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52