Page 45 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 45

‫‪43‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                       ‫ذهني تلك الحكايات الكثيرة‬

                                                                       ‫التي تصر على كون الغرب‬

                                                                       ‫سرة الكون‪ ،‬وأنه لا يوجد‬

                                                                       ‫خارجها سوى وحوش‬

                                                                       ‫بشرية تعيش على الأكل‬

                                                                       ‫والظلم والجنس»(‪.)1‬‬

                                                                       ‫إن هذه الصورة التي‬

                                                                       ‫رسمها الآخر عن المجتمع‬

                                                                       ‫الشرقي تضمر صورة‬
                                                                         ‫يقدمها‪ ،‬بطريقة ُم َش َّفرة‪،‬‬
                                                                       ‫عن مجتمعه بما هو مجتمع‬

                                                                       ‫متحضر يخضع لتعاقد‬

                                                                       ‫اجتماعي ولثقافة الحق‬

                                                                       ‫والواجب‪ .‬وقد نسج الآخر‪،‬‬

                                                                       ‫كذلك‪ ،‬صورة عن ثقافة‬

‫سهيل إدريس‬  ‫محمد الأشعري‬                                   ‫طارق بكاري‬  ‫الأنا بما هي ثقافة ترتكز‬
                                                                        ‫على قيم الفحولة و ُت ْؤ ِثر‬
                                                                       ‫البدانة كمعيار جمالي‪ ،‬تقول‬

‫بشكل ضمني‪ ،‬صورة عن الآخر الغرب بما هي أنا‬                              ‫(جوليا) في هذا الصدد‪:‬‬
                  ‫متعالية و ُم َت َم ْر ِك َزة حول ذاتها‪.‬‬
                                                           ‫«كنت أتصور أن روايتي ستكون حول رجل ضخم‬
  ‫والحاصل أن الأنا الشرق تنعكس في مرآة الآخر‬
   ‫الغرب بما هي ذات منحطة ووضيعة من جهة‪،‬‬                   ‫الجثة‪ ،‬يلبس ثيا ًبا فضفاضة وينتشي بكوب قهوته‬
                                                           ‫الحارة‪ ،‬ويفتل شاربه من حين لآخر‪ ،‬ويعقفه نحو‬
 ‫ومجتمع متوحش ومتخلف من جهة أخرى‪ ،‬ومن‬
 ‫الثابت أن هذه الصورة َت َس َّرب ْت إلى العقل الغربي‬                   ‫الأعلى برما بفحولته»(‪.)2‬‬

      ‫عن طريق ما خطه المستشرقون وما تداوله‬                 ‫ولعل هذا الملفوظ الروائي يحكي‪ ،‬بطريقة غير‬
 ‫المستكشفون‪ ،‬من ثمة فهي صورة عن ُب ْع ٍد و َت َم ُّثل‬
‫عن َس َن ٍد‪ ،‬وما دام إدراك الأنا الشرق قد تحقق عبر‬         ‫مباشرة‪ ،‬عن ثقافة الآخر الغرب بما هي ثقافة‬
  ‫وسائط أخرى غير المعايشة فإن هذه الصورة لا‬
‫بد وأن تخضع للتشويه‪ ،‬وأن هذا ال َت َم ُّثل لا بد وأن‬       ‫تستكين إلى الرشاقة كمعيار جمالي‪ ،‬وترتكز‬
 ‫يشوبه التزييف‪ ،‬ولعل انتقال الآخر إلى هذا العالم‬
 ‫(الشرق) َل َكفي ٌل بأن يؤكد هذا الأفق حول الأنا أو‬        ‫على العقل كمصدر للمعرفة ومعيار للتفاضل‬

  ‫أن يخرقه مما يفرض عليه إعادة بناء أفق جديد‬               ‫الاجتماعي‪ .‬ولم ينسج الآخر الغرب صورة عن‬
  ‫حول الشرق وحضارته‪ ،‬لِ َن َت َد َّب ْر شهادة (جوليا)‬
                                                              ‫مجتمع الأنا الشرق وثقافته فحسب‪ ،‬بل راكم‬
                           ‫بعد معايشة (مراد)‪:‬‬                 ‫أحكا ًما عن هذه الذات التي تتناسل في ِم ْخ َياله‬
     ‫«مراد لا يمكن أن تنسحب عليه هذه الوصفة‬                ‫ال َج ْم ِع ِّي ك ُمعادل للانحطاط والوضاعة‪ ،‬وكمرادف‬
‫الجاهزة التي سعت إمبرياليتنا الأدبية والسياسية‬                ‫للفريسة والصيد‪ ،‬ودوننا هذا المقطع السردي‬
   ‫إلى تكريسها في أذهاننا‪ ،‬كان حضار ًّيا أكثر من‬                          ‫َف َح ِر ٌّي به أن يضيء هذه الصورة‪:‬‬
   ‫أي أوروبي‪ ..‬بعد اختفاء مراد‪ ،‬فهمت أن الرجل‬              ‫«السفاح الرومي الذي كان يسكن في القلعة الكبيرة‬

                                                           ‫عند مدخل المضيق‪ ..‬كان يعكف كل يوم على‬

                                                           ‫اصطياد فرد من أفراد القرية‪ ..‬متحصنًا بالقلعة‬
                                                                ‫المعلقة في القمة‪ ..‬متناسيًا أنه مثلما يرى الناس‬
                                                           ‫صغا ًرا من على قمته‪ ،‬فإنهم كذلك يرونه صغيرا»(‪.)3‬‬

                                                             ‫وليس يخفى على القارئ أن في هذا المقطع تنكتب‪،‬‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50