Page 48 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 48

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪46‬‬

                                                             ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

 ‫وتتعامل جوليا‪ ،‬في العلن‪ ،‬مع مراد كصديق معرفي‬                    ‫لأن في هذه الذكرى تعرية للوجه الخفي للآخر‬
    ‫وكموجه تربوي‪ ،‬غير أنها‪ ،‬في ال ِّسر‪ ،‬تنظر إليه‬               ‫ونقد لسياسته التوسعية ومحاسبة أدبية للإرث‬
                               ‫كمشروع روائي‪:‬‬
                                                                  ‫الكولونيالي و َج ْبر رمزي للضرر الاستعماري‪.‬‬
 ‫«فما الذي يغريك في رجل خراب مثلي؟ أهو الجسد‬                                          ‫‪ :2 –3‬الأنا كصيد أدبي‬
     ‫أم إحساس الشفقة لكوني كما يقال «إكس بن‬
                                                              ‫َت َت َر َّك ُب رواية (نوميديا) من قصتين؛ قصة ُم َؤ ِّط َرة‬
 ‫إكس» أم أنك ترين ف َّي مشروع عمل روائي أم كل‬                      ‫تحكي تجربة جوليا الروائية‪ ،‬وقصة ُمؤ َّط َرة‬
                        ‫هذه الأشياء مجتمعة»(‪.)11‬‬
                                                                ‫تروي تجربة مراد ال َح َيا ِتيَّة‪ُ ،‬وتقدم هذه الرواية‬
   ‫وتنظر جوليا‪ ،‬كذلك‪ ،‬إلى حياة مراد كمادة أدبية‪،‬‬                ‫نظرة الآخر جوليا إلى الأنا مراد وما عرفته هذه‬
     ‫كما تسعى إلى تحويله إلى كائن ورقي وحياته‬                   ‫النظرة من إبدالات بعد معايشة الأنا‪ ،‬كما تعكس‬
    ‫الواقعية إلى عمل تخيلي‪ ،‬لنتأمل اعتراف جوليا‪:‬‬                 ‫علاقة الآخر بالأنا وما شهدته هذه العلاقة من‬
                                                                 ‫متغيرات بعد الاحتكاك بهذه الذات‪ .‬ويؤرخ هذا‬
   ‫«مراد‪ ،‬لم يكن يعني لي أول الأمر أكثر من مادة‬              ‫االلأَكن ْاو ُنم ارلا ِّردواالئذا ُّيتيلةفعواللموعبوضرو اعليآة‪،‬خروقجدو َلع َيلالَّ ْإتلىجعولوايالمهذا‬
                                    ‫أدبية‪.)12(»..‬‬              ‫العبور بدافع علمي معرفي‪ ،‬والذي يتجلى في إعداد‬

‫وتتغيا جوليا من تحويل حياة مراد إلى عمل روائي‬                           ‫بحث حول موضوع الجنس في الشرق‪:‬‬
 ‫َن ْيل الاعتراف الروائي والتَّ ْز ِكيَّة الإبداعية والشهرة‬  ‫«بحثت عنه في الجامعة إلى أن وجدته‪ ،‬وبحجة أنني‬
                                                              ‫أنجز بحثًا صحفيًّا حول الجنس في العالم العربي‪،‬‬
              ‫الأدبية‪ ،‬تقول جوليا في هذا السياق‪:‬‬
    ‫«أما أنا فلا أعدو أن أكون بالنسبة ل ِك أكثر من‬                                           ‫تعرفت عليه»(‪.)9‬‬
                                                                  ‫يتضح‪ ،‬إذن‪ ،‬أن جوليا تقدم نفسها للأنا مراد‬
                      ‫مشروع رواية ناجحة»(‪.)13‬‬                    ‫بما هي باحثة تسعى إلى بناء تمثلات صحيحة‬
 ‫ولما كانت جوليا تسعى إلى تحويل مراد من وجود‬                    ‫ومعارف دقيقة عن الشرق‪ ،‬غير أن هذه البطاقة‬
                                                               ‫التعريفية التي ُت َق ِّد ْم جوليا كباحثة تستبطن هوية‬
    ‫أرضي إلى وجود ورقي ومن َت َح ُّق ٍق واقعي إلى‬             ‫أخرى لهذه الذات‪ ،‬غير أن التشكيك في هذه الهوية‬
‫تحقق سردي‪ ،‬فقد كان لزا ًما عليها أن تغير علاقتها‬                ‫ليس ممكنًا بالنسبة للأنا مراد لأن تاريخها غني‬
                                                             ‫بتجارب المستشرقين الذين قدموا إلى الشرق بغاية‬
    ‫بمراد لكي تنجح في أن تنفذ إلى عوالمه الداخلية‬                 ‫دراسته‪ ،‬ولهذا السبب اطمأنت الأنا مراد لهذه‬
‫وأن تستكنه زواياه المعتمة‪ ،‬الشيء الذي يجعل هذا‬                   ‫الهوية بل وتش َّجع ْت في َم ِّد جوليا بكل شي ٍء قد‬
 ‫التحويل فع ًل صاد ًقا وأمينًا وعم ًل سل ًسا وسه ًل‪،‬‬         ‫يساعدها في بناء بحث علمي رصين حول موضوع‬
                                                               ‫الجنس في الشرق‪ ،‬من ثمة فالآخر جوليا نجح في‬
  ‫ولهذه الدوافع تق َّمصت جوليا دور العاشقة‪ ،‬كما‬              ‫تضليل الأنا مراد وإيهامه حتى لا يتفطن إلى أن هذا‬
    ‫أدت بحرفية متقنة أدوار عشيقات مراد خاصة‬                   ‫الطموح العلمي يستضمر طمو ًحا أدبيًّا‪ ،‬وأن هوية‬

        ‫خولة حتى تستفزه على الحكي عن ماضيه‬                                   ‫(باحثة) تستبطن هوية (روائية)‪:‬‬
                                      ‫العاطفي‪:‬‬                   ‫«اقتربت من الحقيبة بسرية وعيني على جوليا‪،‬‬
                                                                 ‫حملت الحقيبة وهربت بها إلى الشرفة‪ ،‬فتحتها‬
    ‫«وضعت عطر حبيبته المفضل كما فعلت ساب ًقا‬                   ‫بسرية حاسمة‪ ..‬كان الكتاب الأول رواية بعنوان‬
‫لأستفزه‪ ،‬وجئت له بمذكرتها الحمراء التي ترجمها‬                  ‫«أسقف متشابهة»‪ ،‬وزاغت عيني إلى المؤلِّف‪ ،‬فإذا‬
‫لي كاتب عربي مغمور‪ ،‬والتي استندت عليها لأكتب‬                    ‫اسمها يبدو بار ًزا كنقش على حجر‪ ،‬جوليا (ك)‪..‬‬
                                                              ‫وتواجهني صورة جوليا على ظهر الرواية واضحة‬
                             ‫أشهر رواياتي»(‪.)14‬‬
  ‫إن دور العاشقة الذي تقمصته جوليا في علاقتها‬                                                     ‫وقوية»(‪.)10‬‬
‫بمراد يستبطن الدور الحقيقي لجوليا‪ ،‬والذي يتجلى‬
   ‫في دور ال َّساردة التي تسعى إلى تعليب مروياته‬

     ‫وأحاديثه في قالب روائي‪ ،‬غير أن لعبة العشق‬
    ‫لم تستفز مراد لكي يحكي عن طفولته الأليمة‪،‬‬
      ‫ويفصح عن ماضيه العاطفي وتقلبات حياته‪،‬‬
 ‫الشيء الذي دفع جوليا إلى انتهاج سبل أخرى في‬
 ‫سبيل استنطاق ذاكرة مراد‪ ،‬ولعل من هذه السبل‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53