Page 52 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 52
العـدد 28 50
أبريل ٢٠٢1
روائي ،ويسعى إلى تحويل الأنا من شخص واقعي «بإمكاني أيتها الجميلة أن أفعل بك ما فعلت
بالأرنب ،لكنني لن أفعل احترا ًما لأحزاني الكبيرة،
إلى كائن ورقي ،وتعليب أوجاعها في قالب روائي. بل وسأوصل معك المسرحية لأرى ماذا تدبرين لي،
سأصغي لأوتار قلبي وهي تتمزق على يدك»(.)27
وتنفتح (نوميديا) ،كذلك ،على نظرة الأنا الشرق
غير أن مراد أبدى ،في حفلة الوداع ،رغبة في
إلى الآخر الغرب ،وتنكتب في هذا ال َّص ْوغ الروائي الانتقام من جوليا ،ودوننا هذا المقطع السردي فهو
ثلاث رؤى عن الآخر؛ الرؤية العدوانية التي تعكس يضيء ما يعتمل في وجدان مراد من إحساس الثأر
ما يعتمل في وجدان الأنا من مشاعر الرفض والانتقام من الآخر الروائي:
والعداء للآخر الإمبريالي ،ثم الرؤية النَّ ْف ِعية التي «وكان ارتعاش جسد جوليا إشعا ًرا صاد ًما بأفول
شهوتها ،صاد ًما لأن عطشي إلى الجسد لم يزد إلا
تؤكد أن الآخر ال َّرحالة يستحيل في النسق الفكري
والشعوري للأنا مصد ًرا للكسب والاغتناء المادي، احتدا ًما ..شعر ُت أن الاستمرار في الزحف فوق
وأخي ًرا الرؤية الاِنبهارية التي تعكس افتتان الأنا جمرها الذي صار يستحيل إلى رماد ،قد يؤذيها.
بالآخر الباحث في ثقافة ،غير أن أحاسيس الإعجاب قلت ربما لأول مرة بشكل سادي :عليَّ أن أواصل
والتقليد تنقلب إلى مشاعر الحيطة والحذر حين اجتياحي الجنسي ،وإن كان من ثمن يجب أن
تدفعه ،فليكن جسد ًّيا»(.)28
تدرك الأنا أن الآخر الروائي يعيد إنتاج الاستعمار
القديم في أشكال جديدة .ويستظهر هذا ال َم ْس ُطور وقد نأى مراد في انتقامه من جوليا عن الأفعال
الروائي ،أي ًضا ،علاقة الأنا بالآخر الآخر بالأنا وما النمطية التي تمارس ،عادة ،كرد فعل على الخيانة
تعرفه هذه العلاقة من صراع مادي ورمزي ،هذا
الصراع الذي ُت ْذ ِكيه غريزة حب البقاء وحب الهيمنة والخداع ،فقد اختار أن ينتقم جنسيًّا من الآخر
آن ًة ،و ُت ْذ ِكيه غريزة حب الاستكشاف وحب الكتابة الخائن .هكذا يستحيل الجنس ،في وعي مراد ،إلى
آن ًة أخرى.
وسيلة ل َج ْبر الضرر النفسي وأداة ل َر ّْد الاعتبار
لقد حاولت هذه المقاربة أن تستكنه البعد الحضاري المعنوي .ولا شك أن مراد وهو يسلك هذا السبيل،
في هذه المدونة الروائية ،غير أن هذا البعد لا ينبغي فهو يعيد إنتاج الفعل الذي مارسه بطل رواية
(موسم الهجرة إلى الشمال) والذي انتهج طريق
أن يحجب أبعا ًدا أخرى تنكتب في هذا المسطور
الروائي .فـ(نوميديا) وثيقة نفسية تؤرخ للاسم الجنس كوسيلة للانتقام الرمزي من الغرب
المغربي الجريح ،إذ ُت َس ْر ِبلُ َك ،وأن َت َت ُسو ُح في عوالم الاستعماري.
التي َت ُنو ُس بين الهأذلامالف َكي ْوون احلشحيَّكتِاهئيوا،لأأمحالسفيي َسجفام ِئراه،د
وحيث الذات خاتمة
تمارس تطهي ًرا عن طريق الحكي ،تطهي ٌر ينزلق إلى ويتح َّصل ،مما تقدم ،أن (نوميديا) رواية حضارية
مأساة يانعة بما َت ُض ُّخه ثقوب الذاكرة ،على مسرح لأن هذه المدونة الروائية تستنطق تمثلات وصور
الذات ،من أورام وندوب .كما تحتفي (نوميديا)
الآخر الغرب عن الأنا الشرق ،وتنفتح ،في الآن
بالثقافة الأمازيغية وما َت ْز َدا ُن به هذه الثقافة من ذاته ،على رؤى وأحكام الأنا عن الآخر .كما ينشغل
قيم أصيلة وأعراف نبيلة .و ُت َنبِّ ُه (نوميديا) ،في هذا ال َك ْون الروائي بعلاقة الأنا بالآخر الآخر بالأنا
الآن ذاته ،إلى ما يمارس على المُ َك ِّون الأمازيغي وما شهدته هذه العلاقة ،في سيرورة التاريخ ،من
من َم ْحو ثقاف ِّي و َت ْك ِميم لسا ِن ّي وما يتعرض له من
إقصاء وتهميش وما ي َت َه َّد ُده من اندثار وانقراض. ُمتغيِّرات وإبدالات .و ُتق ِّدم (نوميديا) نموذجين
وعلنولاالنَّإ ْمي َذماَجناناتباألنع ارلقأيدةبوالعتا َلِ ٌّصينييف ْاس ُمتوا،لإبثنطيبةيعلتقله،نا للآخر ،يتجلى أولهما في الآخر الإمبريالي الذي ينظر
إن (نوميديا) ُت َد ِّشن لما يمكن أن نصطلح عليه
(الأدب الأمازيغي المكتوب باللغة العربية) قيا ًسا إلى الأنا كصيد وفريسة ،ويرمي إلى استنزاف
على (الأدب المغاربي المكتوب باللغة الفرنسية). الشرق وإبادة الإنسان ،ويتمثل ثانيهما في الآخر
الروائي الذي ينظر إلى الأنا كمادة أدبية ومشروع