Page 53 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 53

‫‪51‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫كما توضح ما يتعرض له المثقف من تهديدات وما‬                         ‫وتنفتح (نوميديا)‪ ،‬كذلك‪ ،‬على قضايا تتسم بالآ ِنيَّة‬
‫يعيشه من ُفو ْب َيا الإرهاب بسبب ُجرأته الفكرية على‬                  ‫وال َّد ْي ُمومة في الوقت نفسه‪ ،‬ونشير في هذا ال َم َساق‬
                                                                    ‫إلى قضيتين جوهريتين‪ ،‬تتجلى إحداهما في انقلاب‬
                      ‫نقد هذا الخطاب وتشريحه‪.‬‬
  ‫إن هذا الغنى الذي َت ْك َتنِ ُزه (نوميديا) على مستوى‬                 ‫المثقف على إرثه الفكري ونسقه ال َق ْي ِم ِّي‪ ،‬و َت َن ُّكره‬
   ‫الخصائص الموضوعية ُيوازيه َث َرا ٌء على مستوى‬                     ‫لمذهبه الإيديولوجي وطبقته الاجتماعية في سبيل‬
                                                                      ‫الثروة ورغد العيش‪ .‬فـ(نوميديا) تؤرخ‪ ،‬بشكل‬
    ‫الخصائص الفنية‪ ،‬فهذا ال َّص ْو ُغ الروائي ينكتب‬                  ‫تشخيصي تخيلي‪ ،‬لتلك القفزات النَّ ْو ِعيَّة للمثقفين‬
      ‫بلغة ذات طاقة شعرية مكثفة‪ ،‬ويستدعي‪ ،‬في‬
                                                                       ‫من الثورة إلى الثروة ومن الممانعة إلى المهادنة‪،‬‬
     ‫الآن ذاته‪ ،‬لغة التَّ َدا ُو ِل اليَّ ْو ِمي التي تضفي على‬      ‫وتتمثل القضية الأخرى في الخطاب الأصولي الذي‬
‫البرنامج السردي بع ًدا واقعيًّا‪ ،‬كما ينفتح هذا ال َك ْون‬           ‫يتبنى العنف عوض الحوار الفكري و ُمقارعة ال ُح َّجة‬
                                                                     ‫بالحجة في علاقته بالآخر المُ َغا ِير له فك ًرا ومذهبًا‪،‬‬
 ‫الروائي على التراث الديني والأسطوري للحضارة‬
         ‫الإنسانية‪ ،‬بالإضافة إلى أنه َي ْص َه ُر ال َم ْح ِك َّي‬        ‫وبهذا تكون (نوميديا) ال ِّرواي َة المغربية الثَّانية‬
                                                                     ‫التي َط َر َقت موضوع الإرهاب تخيي ًل وتشخي ًصا‬
  ‫بمقتطفات شعرية وفلسفية من ُم ْش َر َّب َيات معرفية‬                  ‫وإبدا ًعا لأنه سبق لمحمد الأشعري أن قارب هذا‬
      ‫وأدبية متنوعة ومن أقطار متباعدة‪ .‬والنِّ ْص َف ُة‬               ‫الموضوع في روايته (القوس والفراشة)‪ .‬ولا شك‬

   ‫تقتضي ِمنَّا القول إن هذا ال َّص ْو َغ الروائ َّي ُي َد ِّش ُن‬       ‫أن أقطا ًرا عربية أخرى راكمت تجارب َث َّر ًة في‬
   ‫لطور جديد في المدونة الروائية المغربية والعربية‬                   ‫الاشتغال الروائي على هذا الموضوع‪ ،‬ونستحضر‬
                                                                   ‫في هذا ال َم َساق رواية (فرانكشتاين في بغداد) لأحمد‬
      ‫بسبب ما يقتحمه من مناطق مظلمة في الذات‬                         ‫السعداوي ورواية (الأفيال) لفتحي غانم ورواية‬
     ‫الإنسانية حيث يحتجب الألم ويتوارى الجرح‪،‬‬
    ‫وبسبب ما يطرقه من موضوعات تتسم بالآنية‬                              ‫(مملكة الفراشة) لواسيني الأعرج‪ ،‬وإذا كانت‬
  ‫والديمومة في الوقت ذاته‪ ،‬وذلك وفق رؤيا جديدة‬                       ‫هذه الأعمال الروائية تنشغل بالإرهاب من خلال‬
‫تنأى عن تكرار ال َم ْع ُهود من الرؤى في النِّ َتاج الروائي‬           ‫رصد أسبابه وجذوره‪ ،‬وعرض صوره ونتائجه‪،‬‬
    ‫العربي‪ ،‬وبسبب ما ج َّربه من أساليب جديدة في‬                       ‫فإن (نوميديا) تنشغل بالإرهاب من خلال إبراز‬
    ‫الكتابة الروائية تنأى عن استنساخ المعهود من‬
   ‫الجماليات التي َتط َّرِد في المدونة الروائية العربية‬                 ‫دور المثقف في نقد الخطاب الأصولي وتفكيكه‪،‬‬

           ‫‪ -18‬م‪ .‬ن ص‪.420‬‬                                           ‫‪ -7‬م‪ .‬ن ص‪.353‬‬                    ‫هوامش‪:‬‬
            ‫‪ -19‬م‪ .‬ن ص‪.77‬‬                                            ‫‪ -8‬م‪ .‬ن ص‪.22‬‬
            ‫‪ -20‬م‪ .‬ن ص‪.23‬‬                                           ‫‪ -9‬م‪ .‬ن ص‪.250‬‬   ‫‪ -1‬نوميديا‪ ،‬طارق بكاري‪ ،‬دار الآداب‬
           ‫‪ -21‬م‪ .‬ن ص‪.195‬‬                                          ‫‪ -10‬م‪ .‬ن ص‪.184‬‬        ‫للنشر والتوزيع بيروت‪ ،‬الطبعة‬
                                                                    ‫‪ -11‬م‪ .‬ن ص‪.201‬‬              ‫الأولى ‪ ،2015‬ص‪.420‬‬
           ‫‪ -22‬م‪ .‬ن ص‪.415‬‬                                          ‫‪ -12‬م‪ .‬ن ص‪.250‬‬                    ‫‪ -2‬م‪ .‬ن ص‪.282‬‬
          ‫‪ -23‬م‪ .‬ن ص‪.249‬‬                                           ‫‪ -13‬م‪ .‬ن ص‪.406‬‬                     ‫‪ -3‬م‪ .‬ن ص‪.77‬‬
           ‫‪ -24‬م‪ .‬ن ص‪.161‬‬                                          ‫‪ -14‬م‪ .‬ن ص‪.123‬‬             ‫‪ -4‬م‪ .‬ن ص‪.285 -283‬‬
           ‫‪ -25‬م‪ .‬ن ص‪.169‬‬                                          ‫‪ -15‬م‪ .‬ن ص‪.317‬‬                    ‫‪ -5‬م‪ .‬ن ص‪.397‬‬
           ‫‪ -26‬م‪ .‬ن ص‪.188‬‬                                             ‫‪ -16‬م‪ .‬ن ص‪.5‬‬                   ‫‪ -6‬م‪ .‬ن ص‪.387‬‬
           ‫‪ -27‬م‪ .‬ن ص‪.193‬‬                                          ‫‪ -17‬م‪ .‬ن ص‪.316‬‬
    ‫‪ -28‬م‪ .‬ن ص‪.400 -399‬‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58