Page 49 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 49

‫تستنطق هذه المدونة الروائية تمثلات‬                      ‫صناعة الإرهاب من خلال توجيه‬

‫الآخر الغرب عن الأنا الشرق وما نسجته‬                    ‫رسائل إنذار وتهديد لمراد على أنها‬
                                                                    ‫من جماعات جهادية‪:‬‬

‫عن هذه الذات من أحكام وصور‪ ،‬كما تعيد‬                    ‫«فبعد أن قرأت في ملفه طبيبه‬

‫تركيب أجزاء صورة الأنا الشرق كما تنكتب‬                  ‫النفسي أن صديقه الوحيد قد قضى‬
                                                           ‫نحبه في تفجير إرهابي‪ ،‬ووجدت‬

‫في النسق الفكري والشعوري للآخر‪ ،‬هذه‬                     ‫أنه كان يسار ًّيا ساب ًقا‪ ،‬وأن كتاباته‬

‫الصورة التي َت َسَّر َب ْت إلى العقل الغربي‬             ‫فيما بعد كانت تتحرش بالإسلام‬
                                                        ‫السياسي‪ ..‬فقد آثرت أن أحرض‬
‫ووجدانه عبر منافذ كثيرة‪ ،‬لعل أهمهما‬
                                                        ‫عليه شبح الإرهاب‪ ،‬لعل الأمر‬

‫الدراسات الاستشراقية التي انشغلت بدراسة‬                 ‫يكشف لي عن جوانب غير معروفة‬
                                                                      ‫في شخصيته‪.)15(»..‬‬
‫هذا المجال من العالم (الشرق) لاستكشاف‬                   ‫وقد أ َّثرت هذه التهديدات‪ ،‬بشكل‬

‫حضارته وقيمه ولاستكناه وجدانه وفكره‬                     ‫بالغ‪ ،‬على نفسية مراد‪ ،‬ذلك أن فوبيا‬
                                                        ‫الإرهاب أربك ال َّسير العادي لحياته‬
                                                        ‫على ِعلَّتِه‪ ،‬كما ن َّغص عليه لذة المكان‪،‬‬

                                                        ‫لكن تلك التهديدات لم تحفز مراد‬

‫على البوح بما يعتمل في وجدانه من أحاسيس تجاه «ربما خنت وجه الساردة حين أوريته خلف قناع‬
    ‫العاشقة‪ ،‬لكنني مثَّ ْل ُت أول الأمر دور العاشقة‬       ‫هذه الجماعات‪ ،‬كما لم ُتؤثر عليه بشكل يدفعه‬
‫وصرت أول من يقتنع به‪ ،‬واكتشفت بسرعة أنني‬                ‫لكي يحكي عن تاريخه القديم مع هذه التنظيمات‬

‫متورطة في هذا الرجل من أعلى رأسي إلى أخمص‬               ‫كما كانت تتمنى جوليا‪ .‬وقد دفع الطموح الأدبي‬

‫قدمي‪ ،‬ربما لأن مراد من الرجال القلائل ج ًّدا الذين‬      ‫وغواية الحكاية جوليا إلى حقن مراد بمواد تجعل‬

‫يعشقون بسهولة»(‪.)17‬‬                                     ‫هذه الضحية الروائية تبوح‪ ،‬عن غير وعي‪ ،‬بكل‬

‫لقد كانت جوليا ُت ْو ِهم مراد بالعشق من أجل النَّ َفاذ‬      ‫ما تضمره عن حياتها وتكتنزه في ذاكرتها‪ ،‬وقد‬
  ‫إلى أعماقه وما تكتنزه من أوجاع بغاية تحويلها‬          ‫استغلت جوليا مرض مراد فكانت تمزج الدواء بهذه‬
   ‫إلى عمل سردي‪ ،‬لكن جوليا تح َّولت من عاشقة‬
 ‫زائفة إلى عاشقة حقيقية‪ ،‬ومن ساردة إلى حبيبة‪،‬‬                                    ‫المواد المُ َح ِّف َزة على البوح‪:‬‬
                                                         ‫«حين ناولني الطبيب النفسي ذلك المحلول‪ ،‬قال لي‬
‫ومن كاتبة لخيبات مراد إلى كاتبة لهزيمتها الأدبية‬        ‫إن ما في تلك الزجاجة كفيل بتحريض ذكرياته عليه‬
     ‫وفشلها الروائي‪ ،‬تقول جوليا في هذا المساق‪:‬‬
                                                                          ‫إلى درجة يبوح بكل شيء‪.)16(»..‬‬
 ‫«أضعت مراد إلى الأبد وفشلت في رهاني الروائي‬              ‫وقد كانت جوليا تضطلع‪ ،‬في العلن‪ ،‬بدور الطبيبة‬
     ‫الكبير‪ ،‬وأنني لا أملك الآن سوى إعادة كتابة‬
                ‫هزيمتي على يد رجل شرقي»(‪.)18‬‬                ‫التي تسعى إلى إسعاف مراد وعلاجه‪ ،‬غير أنها‬
                                                             ‫تضطلع‪ ،‬في السر‪ ،‬بدور القاتلة التي ترمي إلى‬
                                                              ‫استنطاق مراد واستنزافه‪ ،‬لكن تلك الحقن لم‬

‫‪ -4‬علاقة الأنا بالآخر‬                                   ‫ُت َح ِّرض (مراد) على البوح‪ .‬ولعل من نتائج معايشة‬
                                                           ‫جوليا لمراد بغاية تحويل حياته إلى عمل روائي‬
‫وشخصه إلى كائن ورقي وأوجاعه إلى تحفة حكائية ‪ :1 -4‬البقاء لل ُم َض ِّحي‬
‫أن جوليا تحولت من عاشقة بالقوة لمراد إلى عاشقة تستعيد رواية (نوميديا) تاريخ المقاومة المغربية‪،‬‬
‫وتعتمد في ذلك على ما تكتنزه الذاكرة الجماعية من‬
                                                        ‫بالفعل‪ ،‬ودوننا اعتراف جوليا فهو يضيء هذه‬

‫مفاخر وأمجاد عن هذا التاريخ‪ ،‬وما تتناقله الألسن‬         ‫الحقيقة‪:‬‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54