Page 43 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 43
41 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
محمد ال َّساهل
َج َدِلَّية الأنا والآخر في الرواية العربية
رواية (ُنوميديا) لطارق بكاري ُأنموذ ًجا
(نوميديا) رواية حضارية لأن هذه المدونة الروائية تستنطق تمثلات
وصور الآخر الغرب عن الأنا الشرق ،وتنفتح ،في الآن ذاته ،على رؤى
وأحكام الأنا عن الآخر .كما ينشغل هذا ال َك ْون الروائي بعلاقة الأنا
بالآخر الآخر بالأنا وما شهدته هذه العلاقة ،في سيرورة التاريخ ،من
ُمتغ ِّيرات وإبدالات .و ُتق ِّدم (نوميديا) نموذجين للآخر ،يتجلى أولهما
في الآخر الإمبريالي الذي ينظر إلى الأنا كصيد وفريسة ،ويرمي إلى
استنزاف الشرق وإبادة الإنسان ،ويتمثل ثانيهما في الآخر الروائي
الذي ينظر إلى الأنا كمادة أدبية ومشروع روائي.
الشرق (الأنا) الذي ينظر إلى نفسه بما هو فضاء إن نظرة َعا ِل ًة في تاريخ علاقة الأنا بالآخر
الروح والأخلاق ،في حين ينظر إلى الغرب (الآخر)
الآخر بالأنا َل ُتؤكد أن هذه العلاقة قد خضعت ،في
بما هو فضاء المادة والانحلال ،من ثمة فتاريخ سيرورة التاريخ ،لإبدالات متعددة ،فتاري ُخ هذه
علاقة الأنا بالآخر هو تاريخ صراع التمثلات العلاقة هو تاريخ صور و َت َم ُّثلات وأحكام متغيرة
من جيل لآخر ومن حقبة زمنية لأخرى ،غير أن
وصدام الصور.
وليس يخفى على القارئ أن المدونة الروائية العربية الثابت في هذه العلاقة هو الصراع الذي يتمشهد
في سلوكات رمزية آن ًة ،وفي ممارسات مادية آن ًة
قد تناولت علاقة الأنا بالآخر تخيي ًل وتشخي ًصا،
غير أن هذا الموضوع لم يستف ِض الروائيون في أخرى .ولعل ما ُي ْذ ِكي الصراع بين أقطاب هذه
مقاربته سرد ًّيا مقارنة بموضوعات أخرى مثل العلاقة هو الرغبة في الهيمنة والسيطرة .ولا شك
المدينة والمرأة والسياسة ،فالأعمال الروائية التي
طرق ْت هذا الموضوع َم ْعدود ٌة ،ولعل الأعما َل أن هذا الصراع هو الذي يو ِّزع العالم إلى قطبين،
الروائي َة البارز َة في هذا ال َم َساق رواية «موسم يتجلى أولهما في الغرب (الآخر) الذي ينظر إلى
الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح ،و»الحي
نفسه بما هو مركز للعلم والمعرفة ،وفضاء للحرية
اللاتيني» لسهيل إدريس ،و»عصفور من الشرق»
لتوفيق الحكيم ،و»أديب» لطه حسين .وينتمي هذا والتقدم ،وأرض للتفوق والإنتاج ،في حين ينظر إلى
المُ ْن َج ُز السردي إلى رواية ال ِّر ْحلة لأنه ُيؤرخ لفعل
الشرق (الأنا) بما هو قطر الخرافة والجهل ،وفضاء
التخلف والأغلال ،وأرض النقص والاستهلاك،
وجغرافيا الكبت والحرمان .ويتمثل ثانيهما في