Page 37 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 37

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫وصال ٌح للقراءة والتأويل مهما مرت عليه السنون‪،‬‬                                          ‫والخواء‪.‬‬
   ‫فالقارئ لأدبه بمقدوره أن ُيعاود قراءته وفي كل‬     ‫لقد جعل «نجيب محفوظ» نهاية الرواية أو نهاية‬
   ‫مرة سيقف على دلالة كانت غائبة عنه‪ ،‬وها نحن‬
    ‫ُنعيد قراءة أعماله من حي ٍن لآخر فنكتشف أنها‬         ‫السمان‪ /‬البطل‪ /‬عيسى الدباغ نهاية تمتلئ‬
    ‫حي ٌة لم تمت‪ ،‬بموت مؤلفها‪ ،‬بل خلدته بخلودها‬        ‫بالرجاء والأمل‪ .‬حيث جعل السمان ينفلت من‬
                             ‫وصلاحيتها للتلقي‪.‬‬       ‫الشباك فلم يسقط‪ ،‬فيمد لـ»عيسى الدباغ» طوق‬
   ‫وقد رأينا ذلك في رواية «السمان والخريف» وقد‬         ‫النجاة وهو «الشاب» الذي يظهر له‪ ،‬ويتحاور‬
                                                      ‫معه‪ ،‬ويحمسه على الحركة والعمل‪ ،‬ويدعوه إلى‬
 ‫اكتنزت بالمشاهد السردية التي تصور أحداث ثورة‬       ‫مواكبة الحاضر ومواجهة الواقع ونسيان ما كان‬
‫يوليو ‪ ،52‬وفي نفس الوقت تجعل المتلقي يستحضر‬           ‫في الماضي‪ ،‬وينتهي الأمر بأن يتحرك «عيسى»‬
‫أحداث ثورة ‪ 25‬يناير ‪ .2011‬وكأن «نجيب محفوظ»‬           ‫من ركوده وجموده فيحلق ويتقدم ليخطو نحو‬
                                                      ‫المستقبل‪ ،‬فقد قال لنفسه‪« :‬أستطيع أن ألحق به‬
  ‫ما زال حيًّا لم يمت‪ ،‬فتصويره لثورة الماضي التي‬   ‫على شرط ألا أضيع ثانية في التردد‪ .‬وانتفض قائ ًما‬
    ‫عاصرها آنذاك يلتحم بشكل أو بآخر مع ثورة‬        ‫في نشوة حماس مفاجئة‪ .‬ومضى في طريق الشاب‬
‫المستقبل ‪-‬يناير المجيدة‪ -‬وكأنه بين ظهرانينا يشاهد‬  ‫بخطى واسعة تار ًكا وراء ظهره مجلسه الغارق في‬
                                                    ‫الوحدة والظلام» (‪ .)15‬وبذلك يتحول سقوط البطل‬
                         ‫ويصور ويصف ويكتب‪.‬‬            ‫وصيده إلى انفلات وطيران‪ ،‬كما يتحول خريف‬
  ‫إن «نجيب محفوظ» لا يصور لنا الماضي المنصرم‬       ‫حياته السياسية إلى ربيع حار‪ ،‬ولا ندري هل أراد‬
   ‫بقدر ما يشرح لنا ثورة الحاضر القريب‪ ،‬ولنا أن‬       ‫«نجيب محفوظ» من وراء هذه النهاية أن يرمي‬
                                                    ‫بأمل؟ لعل الإجابة على كثير من تساؤلات الماضي‬
      ‫نتأمل في هذه العبارة الوجيزة التي تلخص لنا‬   ‫وأي ًضا الحاضر ستكشف عنها الأيام المقبلة‪ ،‬عندما‬
   ‫المشهد الثوري‪« :‬كنا طليعة ثورة فأصبحنا حطام‬       ‫يتحدد مصير ثورة الحاضر التي التحمت بثورة‬
 ‫ثورة!»(‪ .)16‬تأتي هذه العبارة على لسان «سمير عبد‬
 ‫الباقي» وهو رفيق البطل «عيسى الدباغ» في الحياة‬                                           ‫الماضي‪.‬‬
‫الحزبية والسياسية؛ بمعنى أن حزب الوفد الذي كان‬          ‫ختا ًما‪ :‬لا نملك إلا الاعتراف بأن أدب «نجيب‬
                                                     ‫محفوظ» يمثل أد ًبا حقيقيًّا؛ لأنه قاد ٌر على البقاء‪،‬‬
      ‫طليعة ثورة ‪ 19‬صار رجاله حطا ًما لثورة ‪52‬‬

                                                   ‫الهوامش‪:‬‬

                                                    ‫‪ -1‬نجيب محفوظ‪ :‬السمان والخريف‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.40‬‬
                                                                             ‫‪ -2‬نجيب محفوظ‪ :‬السمان والخريف‪ ،‬ص‪.39‬‬
                                                                                                      ‫‪ -3‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.50‬‬

    ‫‪ -4‬رجاء النقاش‪ :‬الواقعية الوجودية في «السمان والخريف»‪ ،‬دراسة ضمن كتاب‪« :‬أدباء معاصرون»‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص‪.131‬‬
                     ‫‪ -5‬سليمان الشطي‪ :‬الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،2004 ،‬ص‪.310‬‬
                                                                                    ‫‪ -6‬السمان والخريف‪ :‬صص‪.54 -53‬‬
                                           ‫‪ -7‬سليمان الشطي‪ :‬الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.316‬‬
                                                                   ‫‪ -8‬نجيب محفوظ‪ :‬السمان والخريف‪ ،‬صص‪.109 -108‬‬
                                                                                                     ‫‪ -9‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.140‬‬
                                                                                                     ‫‪ -10‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.39‬‬
                                                                                                      ‫‪ -11‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.46‬‬
                                                                                                    ‫‪ -12‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.154‬‬
                                         ‫‪ -13‬رجاء النقاش‪ :‬الواقعية الوجودية في «السمان والخريف»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
                                                       ‫‪ -14‬سليمان الشطي‪ :‬الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬ص‪.304‬‬
                                                                           ‫‪ -15‬نجيب محفوظ‪ :‬السمان والخريف‪ ،‬ص‪.157‬‬
                                                                                                     ‫‪ -16‬س‪ ،‬ن‪ :‬ص‪.57‬‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42