Page 36 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 36
العـدد 28 34
أبريل ٢٠٢1
يوظف «نجيب محفوظ» تمثال سعد زغلول في شقة وينفصل عن القاهرة حيث السياسة والحكم:
الرواية تمثي ًل رمز ًّيا ،فلا يأتي التمثال بوصفه «قال لنفسه :ما أجمل أن يعيش الإنسان بعي ًدا عن
شاه ًدا منحو ًتا؛ لتخليد ذكرى الزعيم الراحل ،بل منطقة الوعي!»( .)10حيث أخذ يعاقر الخمر ويدخل
يأتي بوصفه رم ًزا دا ًّل على الماضي ،فالبطل يرتبط في متاهة السكر وما يرتبط به من غياب العقل؛ لأنه
به ارتبا ًطا حميميًّا ،حيث يمثل التمثال مرفأ الحماية يرغب في تغييب عقله بعي ًدا عن التفكير في تطورات
وبر الأمان ،يذهب إليه ،يجلس أسفل منه ،وفى
ذهابه إليه إنما يذهب إلى الماضي؛ ليرتاح في ظلاله: الواقع ،ومن ثم يدخل بعقله إلى فضاء اللاوعي،
فتقرأ في الرواية« :ومال بعد مشية غير قصيرة إلى فكلما انثالت عليه الذكريات ،بين ما كان وما هو
الميدان ثم جلس على أريكة تحت تمثال سعد زغلول. عليه الآن ،كلما هرع إلى الخمر ليصب في جوفه
أغلب الأرائك خالية»( .)12وواضح أن المكان خا ٍل
من البشر إلا من البطل الذي يجلس أسفل التمثال، بعض كاسات من الخمر.
«فالبطل متمسك بالماضي متعلق به ،فهو وفدي في
عالم لم يعد للوفد فيه مكان ولا دور ،إن البطل يحن توظيف الأشياء في الرواية
إلى الماضي حيث كان شيئًا في الحياة وحيث كان له
دور وآمال وتطلعات ،إنه يحاول أن يتعلق بخيوط لا تأتي الأشياء المادية في الرواية بوصفها مكملات
الماضي الرفيعة لعلها تعطيه من ذكرياتها بعض هامشية أو ديكورات شكلية في المشاهد الوصفية؛
ولكن يقوم الكاتب بتوظيفها توظي ًفا فنيًّا له دلالته
الدفء وهو غارق في أزمته»(.)13
وقيمته.
دلالة العنوان :السمان والخريف -1الشيء بين القيمة والغنيمة:
يرى البطل أن الأشياء الثمينة التي حاز عليها
رأينا أن نؤخر الحديث عن العنوان ،وحتى لا ُيظن بفضل منصبه القديم بمثابة الغنيمة التي غنمها،
بنا أننا نؤخر ما حقه أن ُيقدم ،نقول بأن الكشف ويرى في مشاهدتها عزا ًء له فيما فقده ،فتقرأ:
«راح يتجول في المسكن على مه ٍل ،يا له من مقا ٍم
عن دلالات العنوان لا تظهر للمتلقي من الوهلة نفيس! لا يمكن الاحتفاظ به بعد الآن ،مرتب عامين
الأولى ،ولكن بعد الانتهاء من عملية القراءة؛ لأن ورصيد في البنك من نفحات العمد؛ ولكن هل
عنوان الرواية يحتوي على صورة استعارية ،فقد يكفيه ذلك إلا عامين آخرين؟! وجميع هذه التحف
صور الكاتب البطل بـ»السمان» ،في حين صور التي تزين المدخل والاستقبال والمكتبة هي أي ًضا
الحياة السياسية للأحزاب المصرية بـ»الخريف».
فالبطل أشبه ما يكون بطائر السمان الذي يقطع «هدايا»»(.)11
رحلة طويلة حتى يصل إلى «ما خاله شاطئ الأمان على هذا النحو أخذ «عيسى» ُيعزي نفسه بالغنائم
فتتلقاه الشباك فيتهاوى صي ًدا سه ًل»( .)14و»عيسى
إبراهيم الدباغ» أشبه حا ًل بـ»السمان» ،فقد قطع التي جمعها ،والغريب أن «عيسى» لا يفكر فيما
«عيسى» رحلة طويلة من النضال وكان على طليعة فعله من فساد وتلقي الرشاوى ،بقدر ما يفكر في
ثورة ،19فصار حطا ًما لثورة ،52فوقع في شباك قيمة الأشياء التي حصل عليها كرشاوى ،جاءت
لجنة التطهير التي عقدت بعد نجاح ثورة يوليو في صور :تحف ،وهدايا فخمة ،وشقة في الدقي،
،52وقد استكان «عيسى» ل ِشراك الصيادين ولم
وأموال كونت له رصي ًدا بنكيًّا لا بأس به.
يواصل رحلته في الحياة ،وعزف عن المشاركة -2الشيء بين الحقيقة والرمز:
الحزبية والسياسية ،وظل راك ًدا ،خام ًل ،ينادم
الكأس ويحتسي الخمر ،وهكذا تحول ربيع حياته إن توظيف الأشياء للربط بين الماضي الحاضر
السياسية إلى خريف يتسم بالسكون والجفاف في الرواية لا يمكن اعتباره رب ًطا عبثيًّا ،فالكاتب
يوظف الأشياء لما تتيحه له من معا ٍن ودلالات
ورموز يوظفها بفنية ،ويؤمن بأن أثرها وتأثيرها
سيصل إلى المتلقي ،وذلك عندما يسلط الضوء على
الحاضر بالارتكاز على أشياء من الماضي ،حيث