Page 30 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 30

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪28‬‬

                                                          ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

         ‫المدح‪ :‬المشكلة والنتائج‬                             ‫والصراع والموت في ختام هذه التراجيديا الإنسانية‪.‬‬
                                                          ‫وإذا وقفنا أمام عينات من القصيدة العربية القديمة منذ‬
  ‫المدح إ ًذا صناعة لصورة مثالية‪ ،‬ومشكلة هذه الصورة‬        ‫القدم وعبر تاريخها الممتد حتى عصرنا الحاضر؛ مثل‪:‬‬
‫تكمن في مدى تطابقها مع الواقع أو مغايرتها لما فيه‪ ،‬وفي‬
‫النتائج التي قد تترتب عليها؛ الفن عمو ًما عملية تقوم على‬                                      ‫قول المتنبي‪:‬‬
‫الخيال الذي يجعل منه عالمًا مواز ًيا للملموس الفيزيقي في‬                        ‫أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي‬
‫دنيا الناس‪ ،‬وقد يكون هذا الخيال مدعاة لآثار سلبية على‬           ‫وأسمعت كلماتي من به صم ُم (مدح الأنا‪ /‬فخر)‬
‫الذات فر ًدا كانت أو جماعة؛ من شأنها الإصابة بأمراض؛‬                         ‫وقول عمرو بن كلثوم في معلقته‪:‬‬

  ‫مثل الغرور (جنون العظمة‪ /‬بارانويا)‪ ،‬الذي قد يؤدي‬                                 ‫ونحن الحاكمون إذا أُطعنا‬
‫إلى حالة من العزلة الذهنية والنفسية عن الحياة وإيقاعها‬                            ‫ونحن العازمون إذا ُعصينا‬
 ‫وحركتها ومتغيراتها‪ ،‬هذه العزلة قد تؤدي إلى حالة من‬                               ‫ونحن التاركون لما سخطنا‬
                                                                ‫ونحن الآخذون لما رضينا (مدح الجماعة‪ /‬فخر)‬
  ‫الجمود والانكفاء والاختباء؛ فلا ترى الذات فر ًدا كانت‬                          ‫وقول جرير يمدح بني أمية‪:‬‬
‫أم جماعة إلا نفسها‪ ،‬ولا تسمع إلا صوتها‪ ،‬ويصير الفن‬                                ‫ألستم خير من ركب المطايا‬
  ‫الممجد لها هو الحقيقة التي تلتف حولها‪ ،‬وسواه بمثابة‬                              ‫وأندى العالمين بطون راح‬
‫أوهام لا مجال للتفكير فيها والتعامل الواعي معها؛ الكلمة‬
‫الطيبة فضيلة وهي وسط بين طرفين؛ المغالاة في التعظيم‬                                    ‫وقول حافظ إبراهيم‪:‬‬
                                                                                 ‫وقف الخلق ينظرون جميعا‬
     ‫من جانب‪ ،‬وتجاوز الحد في تفنيد النواقص وكشف‬                                 ‫كيف أبني قواعد المجد وحدي‬
 ‫المثالب من جانب ثا ٍن‪ ،‬ولعل بيت شعر أحمد شوقي يعد‬                              ‫وبناة الأهرام في سالف الدهـ‬
 ‫مفتا ًحا فنيًّا يفتح الباب أمام واقع اجتماعي ونسق ثقافي‬       ‫ِر كفوني الكلام عند التحدي (مدح الوطن‪ /‬فخر)‬
  ‫حياتي معيش يتأثر سلبًا بلا ريب بهذا السلوك (المدح)‬
  ‫الذي له امتداداته في الفن المؤسس على اللغة والمؤسس‬                                         ‫وقول المتنبي‪:‬‬
                                                                              ‫على قدر أهل العزم تأتي العزائم‬
                                   ‫على غير اللغة‪:‬‬         ‫وتأتي على قدر الكرام المكارم (مدح الأنا لغيرها‪ /‬مدح)‬
                           ‫خدعوها بقولهم حسناء‬                           ‫وقول يزيد بن معاوية بن أبي سفيان‪:‬‬
                            ‫والغواني يغرهن الثناء‬
     ‫قد يحتاج المتأمل إلى الوقوف أمام صياغتين في هذا‬                              ‫أجلك يا ليلى عن العين إنما‬
  ‫البيت‪ :‬خدعوها‪ ،‬ويغرهن؛ إننا بصدد مشكلتين؛ الأولى‪:‬‬       ‫أرا ِك بقل ٍب خاش ٍع لك خاضع (مدح الرجل للمرأة‪ /‬غزل)‬
  ‫تتعلق بالمادح الذي قد يلجأ في شطحة منه ومبالغة إلى‬
     ‫ما ينافي الحقيقة المعيشة والمتعارف عليها في الواقع‬                              ‫ومثله قول جميل بثينة‪:‬‬
  ‫عند عزمه صناعة صورة مثالية للمدوح‪ ،‬الثانية‪ :‬تتعلق‬                             ‫وإني لأرضى من بثينة بالذي‬
    ‫بالمفعول الممدوح وما قد يصيبه من أضرار إزاء هذه‬                           ‫لو أبصره الواشي لق َّرت بلابله‬
  ‫الحالة؛ نلمحها ونحددها في هذه الصيغة «يغرهن»؛ إن‬
  ‫هذه الحالة النفسية لها عواقبها التي قد لا تقتصر على‬                              ‫بلا وبألا أستطيع وبالمُنى‬
 ‫الفرد الممدوح وحده‪ ،‬بل على السياق الجمعي المحيط به‪،‬‬                            ‫وبالأمل المرجو قد خاب آمله‬
    ‫بالنظر إلى مكانه بينهم والدور الذي يؤديه داخل هذا‬
‫السياق(‪ ،)6‬ويحيل بيت أحمد شوقي هذا إذا خرجنا به من‬                                     ‫وقول حافظ إبراهيم‪:‬‬
 ‫هذه الدائرة الضيقة؛ أي غرض الغزل إلى رحابة المعالجة‬                            ‫قد كنت أوث ُر أن تقول رثائي‬
    ‫الثقافية‪ ،‬يحيل إلى هذه الومضة «رسموا لها أجنحة‪،‬‬             ‫يا منص َف الموتى من الأحيا ِء (مدح الميت‪ /‬رثاء)‬
  ‫لونوا باب القفص»؛ إننا أمام فعلين ومفعولين‪ :‬رسموا‬
‫والمفعول أجنحة‪ ،‬ولونوا والمفعول باب القفص؛ إن الرسم‬                                 ‫وقول أبي البقاء الرندي‪:‬‬
                                                                                  ‫لكل شيء إذا ما تم نقصان‬
                                                                                 ‫فلا ُيغر بطيب العيش إنسا ُن‬
                                                                                ‫هي الأمور كما شاهدتها دول‬
                                                           ‫من س َّره زمن ساءته أزما ُن (مدح الوطن المفقود‪ /‬رثاء‬

                                                                                                  ‫الوطن)‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35