Page 18 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 18

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪16‬‬

                                                    ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

 ‫بواسطتها‪ ،‬وداخلها تحدد للذات الإنسانية مواقفها‬                           ‫ثقافتنا الحديثة وما بعدها‪.‬‬
    ‫داخل العالم في علاقتها بالذوات الأخرى‪ ،‬ومثله‬      ‫يقول الكاتب ما لم ينتبه إليه “فرويد” أننا نخاف‬
       ‫مثل “هيجل” حدد “لاكان” الوضع الخاص‬             ‫من الخوف نفسه‪ ،‬الشعور بانعدام الأمل وفقدان‬
   ‫بالوعي الإنساني بأنه وعي يكون في حالة بحث‬          ‫الأمن‪ ،‬عدم الثقة والشك‪ ،‬انبعاث بعض المكبوتات‪.‬‬

‫دائم للوصول إلى اليقين الذاتي‪ ،‬كما أنه وعي يقوم‬            ‫يعد الظلام وبعض فصول السنة‪ ،‬والأزمنة‬
  ‫بتحويل ذاته وعالمه‪ ،‬خلال محاولاته الوصول إلى‬              ‫الانتقالية‪ ،‬الاضطرابات السياسية‪ ،‬وهو ما‬
 ‫ذلك اليقين‪ .‬ومثله مثل نيتشه‪ ،‬تبني “لاكان” فكرة‬        ‫تحدث عنه “كانط” و”ليوتار” فترات التحولات‬
‫وجود ذات وهمية أو متخيلة‪ ،‬تكون دائ ًما على شفير‬      ‫والانتقالات‪ ،‬وهي مادة ثرية لازدهار أدب الغرابة‪.‬‬
                                                      ‫ويشير المؤلف إلى الجانب الإيجابي الملازم لقوى‬
    ‫التمزق‪ ،‬وعلى حافة التفكك‪ ،‬ذات ترغب دائ ًما في‬       ‫الفوضى والتدمير والظلام‪ ،‬فهم الشرط المسبق‬
             ‫التمسك بذلك الوهم الخاص بالكلية”‪.‬‬          ‫الضروري لتكوين الضوء والنوم والخروج من‬

    ‫واقترح لاكان وجود مراحل ثلاث مهمة لتك ُّون‬                   ‫الظلام‪ ،‬أو الانغماس في وضع خانق‪.‬‬
                                     ‫الذات هى‪:‬‬              ‫يتحدث “يونج” عن القناع الذي يعد الوجه‬
                                                         ‫الاجتماعي المقبول‪ ،‬والذي يوضع على الطاقات‬
                         ‫‪ -1‬مرحلة ما قبل المرآة‪.‬‬     ‫البدائية ويعبر عن ظل قد كبت أو منع من الظهور‬
                               ‫‪ -2‬مرحلة المرآة‪.‬‬        ‫في شكله الأصلي‪ ،‬وقد ترتبط هذه الأقنعة وتربط‬
                                                          ‫بطاقة حيوية ومن ثم الإبداع‪ ،‬وهنا لا بد من‬
                         ‫‪ -3‬مرحلة ما بعد المرآة‪.‬‬        ‫وسائل مساعدة مثل الخيال والحدس والموهبة‪.‬‬
     ‫يتحدث “لاكان” عن الأنا والمجتمع ويشير إلى‬      ‫في خاتمة الفصل يتحدث المؤلف عن ارتباط الغرابة‬
 ‫دور الفراغ الكبير أو فقدان المعنى‪ ،‬ويرتبط وجود‬     ‫بعمليات الإبداع ذاتها‪ ،‬وكذلك عملية التلقي والقراءة‬
‫الفراغ بظهور الغرابة من خلال المسافة بين المألوف‬     ‫للأدب‪ ،‬وأي ًضا بعض الأفكار النقدية مثل التناص‪،‬‬
 ‫وغير المألوف‪ ،‬ويدخل الفرد في شبكة من العمليات‬            ‫وحضور الأشباح وهي بالطبع في هذا المجال‬
    ‫الرمزية‪ ،‬نظام التداول الذي يقوم بتمثيله لدوال‬   ‫مجازية‪ ،‬أي حضور الآخر في الذات‪ ،‬حضور أعمال‬
  ‫أخرى‪ ،‬وهذا النظام يفشل كلية‪ ،‬فتظهر فجوة بين‬         ‫الآخرين في عملي‪ ،‬وهو ما اعتمد عليه “دريدا” في‬
   ‫الذات وعملية التمثيل الرمزي للعالم‪ ،‬هنا تصبح‬         ‫مؤلفه “أطياف ماركس”‪ ،‬الذي يتحدث فيه عن‬
     ‫الذات نفسها فرا ًغا‪ ،‬مفتقرة إلى المعنى وتتشكل‬    ‫تحول الغرابة إلى فكرة عامة في الحياة العادية في‬
     ‫هوية الذات من خلال هذا الافتقار إلى المعرفة‪،‬‬    ‫الشارع والبيت‪ ،‬تداخل الحدود بين الموت والحياة‪،‬‬
‫العجز عن تعرف نفسها في الصور العقلية الخاصة‬           ‫آلية التكرار التي تحول الإنسان إلى آلة أو شيء‪.‬‬
    ‫بالإنسانية‪ ،‬شعورها بالخوف من نفسها‪ ،‬وتعد‬              ‫يتسع مفهوم طرح الغرابة ويحرص د‪.‬شاكر‬
      ‫هذه الحيرة جوهرية لدى “لاكان” لأن الفرد‬          ‫عبد الحميد على بحث جذوره الفلسفية والنقدية‪،‬‬
   ‫المنقسم هكذا يسعي جاه ًدا إلى التعرف على ذاته‪،‬‬    ‫وعرض تجلياته بصورة متسعة وهو ما يميز هذا‬
     ‫المعرفة بذاته والعالم داخل النظام الرمزي من‬
    ‫خلال سلسلة من عمليات التوحد‪ ،‬وعندما يمثل‬                                          ‫الجهد المحيط‪.‬‬
 ‫الواقع فرا ًغا داخل النظام الرمزي يحدث الانقسام‬
    ‫والاضطراب‪ ،‬يصبح الإحساس بالواقع مفك ًكا‪،‬‬                         ‫(‪)4‬‬
   ‫وعندما نواجه هذا الفراغ نشعر بالغرابة بكل ما‬
‫يصاحبها من أحاسيس “تأثيرات” مصاحبة خاصة‬              ‫في الفصل الرابع المعنون “بالغرابة وتفكك الذات”‪:‬‬
                                                        ‫تخير شاكر عبد الحميد تعريف “لاكان” للذات‬
                                     ‫بالاغتراب‪.‬‬        ‫وتقسيمه وتشكيله لها فيقول‪“ :‬هكذا تستكشف‬
 ‫وترتبط الغرابة لدى “لاكان” بالنظرة المحدقة‪ ،‬بما‬       ‫نظرية “لاكان” من البنيات المختلفة للمعني التي‬
‫يسمي التمويه والصور المموهة‪ ،‬بذلك الشعور بأنه‬
  ‫في تلك اللحظة التي ينظر فيها الإنسان إلى العالم‪،‬‬
  ‫فإن العالم ينظر إليه أي ًضا وهكذا فإن “الواقعى”‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23