Page 17 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 17

‫‪15‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫الحداثي الذي نعيش فيه قد سبب تحو ًل جذر ًّيا‬                                    ‫اجتماع‪ ،‬أو فلاسفة‪.‬‬
  ‫في طبيعة خيالنا الجمعي‪ ،‬إنه تحول مو َّجه ‪-‬وعلي‬       ‫ويري أن رؤية “كليطو” للغرابة محددة تقتصر على‬
 ‫نحو ملغز وغامض‪ -‬نحو الخوف والفزع والرعب‪،‬‬
 ‫خوف من الموت‪ ،‬وكل ما يخيف يعمل كقوة داخلية‬                                              ‫المعني اللغوي‪.‬‬
‫موجهة توجه ‪-‬كما تقول “ماريا بيافل”‪ -‬وراء تلك‬                ‫كما يتطرق لكتاب “الغرابة بين التلقي والسرد‬
   ‫التعبيرات عن المفاهيم ما بعد الحداثية في الأدب‪،‬‬     ‫العربي القديم” لمحمد بن عبد العظيم بنعزوز ويري‬
‫وتعبر عن تلك الحالة من الاستثارة والذعر التي في‬           ‫أنه اعتمد على منحى “كليطو” في تحديد الغرابة‪.‬‬
                                                       ‫كما يشير إلى الدراسة التي قام بها “حسن المودن”‬
                              ‫عقولنا أو أرواحنا‪.‬‬         ‫بعنوان “الكتابة والغرابة المقلقة في قصص محمد‬
   ‫لاحظ الباحثون أمثال “داني كافالارو” عدد من‬            ‫غرناط‪ ،‬دراسة على مجموعة “داء الذئب” وتحدث‬
‫وجوه التشابه بين مفهومي الذعر والرعب ومفهوم‬              ‫فيها عن تيمات أساسية مثل‪ :‬إحياء الموتى وتكليم‬
    ‫الغرابة كما قدمه فرويد يتلاقيان حين الشعور‬          ‫الحيوانات‪ ،‬خلق العوالم المخيفة من خلال انفعالات‬

     ‫بالغرابة عندما تكتسب الظروف المألوفة فجأة‬                                          ‫الخوف والهلع‪.‬‬
                     ‫دلالات ومعاني غير مألوفة‪.‬‬               ‫يختزل الكاتب الخوض في الدراسات العربية‬
                                                        ‫والأعمال الإبداعية العربية إلى حد كبير‪ ،‬ومن ثم لا‬
‫يقول “ديفيد موريس” وهو يفسر الغرابة وعلاقتها‬            ‫يذكر في الدراسة جهود الباحثين العرب المنشغلين‬
   ‫بالذعر والرعب هي “إحساس مهين يصيب المرء‬
      ‫بالدوار أو الذهول‪ ،‬إحساس يحملنا على نحو‬                                        ‫بعلم نفس الإبداع‪.‬‬
  ‫عميق إلى ما وراء الأحاسيس والأجواء الإنسانية‬
                                                                        ‫(‪)3‬‬
‫العادية‪ ،‬وهو إحساس ينطلق عندما نواجه الصورة‬
‫الخفية المحرفة‪ ،‬لكنها غير المبعدة تما ًما‪ ،‬عن رغباتنا‬       ‫في الفصل الثالث المعنون “بالغرابة وسرديات‬
                                                        ‫الخوف والظلام” يعرف شاكر عبد الحميد الخوف‬
                                      ‫المكبوتة”‪.‬‬
‫يفرق الباحث أي ًضا بين الجليل والجميل‪ ،‬فالموضوع‬             ‫بأنه أحد الانفعالات الأساسية الكبرى ويشير‬
                                                         ‫إلى أخطار واقعية مدركة أو متخيلة‪ .‬ثم يشير إلى‬
 ‫الشيء‪ /‬الشخص‪ ،‬الجميل له شكل مادي وحواف‬                 ‫اختلافه عن القلق‪ ،‬ومتي يحدث الخوف‪ .‬ثم يحدث‬
   ‫أو حدود محيطة به واضحة‪ ،‬في حين أن الجليل‬
                                                             ‫قارئه عن المفاهيم الشقيقة للخوف في العربية‬
 ‫يتحدى التحديد أو التعريف له‪ ،‬أي يتحدى وضعه‬                 ‫مثل “الرهبة” و”الروع” و”الفزع” و”الهلع”‬
  ‫ضمن إطار محدد أو واضح‪ .‬وذلك وف ًقا لطبيعته‬
                                                                                  ‫و”الرعب” و”الذعر”‪.‬‬
      ‫التي تميل إلى تجاوز أو عبور تلك المستويات‬            ‫ثم يتطرق الكاتب إلى السرد المخيف ويذكر ميل‬
 ‫المقبولة للحجم أو الطاقة‪ ،‬مع ملاحظة أن الجليل لا‬           ‫كثير من النقاد إلى التمييز بين الذعر والرعب‪،‬‬
                                                        ‫فأسباب الرعب غالبًا ما تكون موجودة في الأحلام‬
                         ‫يكون بالضرورة مرعبًا‪.‬‬            ‫أما أساس الذعر فهو الواقع نفسه‪ ،‬ويتحدث على‬
      ‫كما يشير الباحث إلى التلاقي الذي حدث بين‬           ‫أن جوهر الاتجاه “القوطى” ومركزه تلك الخبرة‬
‫الأدب القوطي وأدب الخيال العلمي‪ ،‬ويقصد المؤلف‬           ‫الانفعالية التي تعرض نفسها خارج الزمن والذات‬
‫بالأدب القوطي الأدب الذي يهتم بالأطياف الشريرة‬            ‫في شكل “توتر” بين الواقعي وغير الواقعي كما‬

               ‫وتجلياتها الطيفية الشبحية المخيفة‪.‬‬                                         ‫قال “فارما”‪.‬‬
     ‫يتحدث الكاتب عن الذات ويقرر أنها موضوع‬            ‫كما أن التوق إلى الرعب إنما هو غطاء سطحي يعبر‬
    ‫خبرة الخوف وموقعها‪ ،‬ويرتبط الخوف بالموت‬              ‫عن رغبتنا المتأصلة فينا الخاصة بالخوف الشديد‬
 ‫الرمزي الفردي والجماعي‪ ،‬ويعد انجذاب ذات “ما‬
    ‫بعد الحداثة” إلى الأدب وأفلام الرعب نو ًعا من‬          ‫من الخواء أو العدم أو الفراغ‪ ،‬هكذا قال كل من‬
  ‫مراجعة الواقع‪ ،‬المواجهة الرمزية من مسافة معه‪،‬‬         ‫“بودريار” و”دريدا” و”ليوتار” إن الشرط ما بعد‬
   ‫ونحن نتذوق المخيف والغريب بدافع رومانتيكي‬
‫ملازم لطبيعتنا‪ ،‬دافع ُكبت بقوة وحرمنا تطويره في‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22