Page 282 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 282
العـدد 25 280
يناير ٢٠٢1
في قفصه؛ كان بحاجة إلى فسحة الإيجاز والتكثيف ومن ثم القصر، شديد الصرامة في وصف عوالمها
أكبر لتجلية موقفه بكلام ممتد، تلك سمة عامة تطبع الحوارات، وصراعاتها الداخلية والخارجية،
وتلك حالة اتساق أخرى تنسجم
وطبيعة الحدث ،ومع طول الحوار علاوة على ما فيها من حذف يفهم وهو ما أسهم في خلق حالة
من طرف ابن زيدون في محاكمته ضمنًا في سياق الحدث ،وهذه درامية تنسجم وتنوع الأحداث
صعو ًدا وهبو ًطا ،أما الشخصيات
تتجلى المقدرة الشعرية لأحمد السمة العامة لم تأت عف ًوا حسب التي تد ّخل في مساراتها ومواقفها
سراج في السيطرة على النفس ما أعتقد ،إذ هي من ناحية تعكس المحورية؛ فما ذاك إلا في سبيل
الشعري وانتقاء الأكثر دلالة الحفاظ على رهاناته الجوهرية
من اختياراته اللغوية وتراكيبه ما بين المتحاورين من اتفاق من وضع مسرحيته ،وقد ظهر
وأخيلته ،لينتج لنا في النهاية يتسق واتجاههما في الأحداث ،من ذلك أكثر ما ظهر على شخصيتين
جوهريتين هما ابن زيدون وابن
جملته الشعرية على أعلى ما مثل حوار ابن عمار مع خادمه
تكون عليه من إشارية واكتناز، هادي: عبدوس.
أما شخصية ابن عمار العدو
بعي ًدا كل البعد عن العبارات هادي :عدني ..مضت الأيام بنا اللدود لابن زيدون بعد ابن
الممتدة المترهلة ،فربح درامية بطفولتنا /وبقربتنا /وبصحبتنا عبدوس فجاءت متوافقة مع
الحدث وامتداد حالة مستنفرة سياقها التاريخي من حيث التدبير
من الفضول لدينا نحن المتلقين/ عدني ..ما كان هناك مضى.. والدس والمكايدات الخبيثة ،وهى
ابن عمارَ ِ :ل؟ بذلك تتسق من ناحية أخرى مع
المشاهدين. مآلها الدموي بمقتله على يد ابن
أخي ًرا ،لقد نجح سراج في إحياء هادي :قل َتها ..الملوك إذا غضبوا جهور بعد أن طمع فيما بين يديه
مشاعر متضاربة فينا ،فعلى الرغم أو ثاروا وأنكر أصحاب الفضل ،بل وجاهر
من درايتنا سلفا بالقصة ،وتفهمنا ذئا ٌب بعدائهم وفق المأثور في المصادر،
لتعديلات بعض مساراتها في أكثر
من حدث جوهري ارتبط ببطل ابن عمار :لكنك مني! أما شخصية المعتمد فإنها
المسرحية ابن زيدون؛ فإن قراءة هادي :للحكم دم مفر ٌد ،مفر ٌد تتسق ومساره التاريخي كذلك،
صارخ دوما :لك وحدك ذا المل ُك
المسرحية أو مشاهدتها خلقت من حيث هو أمير ومشروع
عالمًا يبدو جدي ًدا تما ًما علينا ،وما ابن عمار :إلا عصبتي ملك داهية ،يعلم مكنون رجاله
ذاك إلا لحيوية الجملة الشعرية هادي :لا تخرج إلا العصبة ومراميهم ،ويفسح لهم إلى حين.
التي تمتع بها أحمد سراج على (ص)18 الحديث عن الشخصيات
مدار المسرحية بد ًءا وانتها ًء، وعلى نسق قصر الحوار نفسه وصراعاتها الداخلية والخارجية
نجد حوار الوجهاء على ما بينهم يستدعى الحديث عن الحوارات
تكثي ًفا أو امتدا ًدا ،نشعر وكأننا التي جمعتهم وطبيعتها من حيث
نقرأ راهننا بكل وجوهه المحبة من تفاوت معنوي يظل رهنًا الطول والقصر والانسجام مع
والكارهة ،ولعل ذلك كان الإسقاط بما تحمله رياح المصالح( ،ينظر الرهانات الجوهرية في المسرحية،
الأكثر نصاعة من استدعاء هذا الصفحات ،)92 -79الاستثناء
الجزء المؤلم من تراثنا على واقعنا فالغالب على تلك الحوارات
الوحيد للخروج عن ِق َصر
الذي يشبهه كثي ًرا الحوارات في المسرحية ،جاء في
مشهد محاكمة ابن زيدون ،وكذا
مشهد ابن زيدون وابن عبدوس
بدرجة أقل ،فابن زيدون المتهم
الذي يتناوب عليه القضاة وهو