Page 281 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 281

‫‪279‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫زيدون‪ ،‬لا لمحاكمته وعقابه‪،‬‬     ‫من العنف البادي على ابن عبدوس‬             ‫لتلك القيمة الثمينة في مواجهة‬
 ‫ولكن ليضفي على انحيازاته لابن‬          ‫لحظة مواجهته ابن زيدون في‬               ‫المؤامرات والدسائس والأخذ‬
                                         ‫قصر ولادة المحتجبة‪ ،‬حسب‬            ‫على الهوية في بيئة شديدة التوتر‬
    ‫زيدون (رمز الحب والتسامح‬           ‫وصف الكاتب في قوله (يخرج‬                 ‫دارت فيها أحداث المسرحية‪،‬‬
       ‫والوفاء) طاب ًعا موضوعيًّا‬         ‫ابن عبدوس سيفه بصعوبة‬              ‫لذا لم يكن غريبًا أن ترتبط لمسة‬
                                      ‫ويقترب من ابن زيدون)‪ ،‬يقول‬            ‫البعث (عنوان المسرحية) بالحب‬
   ‫يستعين به على استمالتنا نحن‬                                               ‫واللقاء في أكثر من موضع‪ ،‬من‬
  ‫أي ًضا كمتلقين‪ /‬مشاهدين‪ ،‬عبر‬      ‫ابن عبدوس‪« :‬لم يخب حدسي‪/..‬‬              ‫مثل ما نجد في (فلقاها لمسة بع ٍث‬
                                         ‫محو عاري‪ / ..‬سأقاتلك‪/ ..‬‬          ‫ص‪ /70‬اللقا لمسة البعث ص‪/74‬‬
    ‫ذلك أرادنا أن نستشف ما لم‬            ‫أنسيت‪( ”..‬ص‪ ،)95‬نجد أن‬                 ‫قولي [من ابن زيدون لميساء‬
   ‫يقله ابن زيدون حينها‪ ،‬وما لم‬        ‫حدة التوتر والكراهية سرعان‬              ‫لتخبر ولادة] لمسة البعث أن ِت‬
    ‫يسجله المؤرخون في الحقيقة‪،‬‬
  ‫وتلك منطقة معتمة أخرى كثف‬          ‫ما تنخفض‪ ،‬حتى أن ابن زيدون‬                                  ‫ص‪.)107‬‬
                                     ‫اعتبره من نفسه في حضور قائد‬
       ‫كل أضوائه عليها ليجليها‪،‬‬                                                       ‫(‪)2‬‬
  ‫فالاتهامات الموجهة لابن زيدون‬          ‫جند المعتمد على النحو الآتي‪:‬‬
 ‫اتهامات تاريخية شائعة وفق ما‬                       ‫‪.....................‬‬   ‫أضاء أحمد سراج المنطقة المعتمة‬
 ‫تخبرنا بها المصادر‪ ،‬ولكن دفاعه‬                                                 ‫في علاقة ابن زيدون بولادة‪،‬‬
  ‫عن نفسه هو موقف المؤلف من‬           ‫قائد الجند‪ :‬الأمير يريدك لشأن‬              ‫ولم يكمن في المناطق الآمنة‬
 ‫تلك الاتهامات‪ ،‬أما القضاة الذين‬       ‫(ينظر لابن عبدوس ويصمت)‬                  ‫والمعروفة سل ًفا في علاقتهما‬
                                      ‫ابن زيدون‪ :‬ذا مني [يقصد ابن‬
    ‫حاكموا ابن زيدون‪ ،‬فتفاوتوا‬                                                ‫مكتفيًا بالإسقاطات الاجتماعية‬
 ‫بين غلظة ورفق‪ ،‬وفق مآرب كل‬                       ‫عبدوس] فلا تكتم‬             ‫والسياسية السهلة على راهننا‪،‬‬
                                    ‫قائد الجند‪ :‬شغب شب في إشبيلية‬            ‫ومثلما اخترع اللقاء الأخير بين‬
   ‫منهم‪ ،‬ما يعنينا هنا هو اختيار‬                                              ‫الحبيبين على غير الواقع سعيًا‬
‫المؤلف قاضية لمحاكمة ابن زيدون‬                             ‫(ص‪)99‬‬
                                                    ‫‪.....................‬‬        ‫للبهجة‪ ،‬اخترع مواجهة ابن‬
   ‫على ما كان منه في حق ولادة‪،‬‬        ‫وعندما يأتي الحديث عن ولادة‬             ‫زيدون وابن عبدوس‪ ،‬على غير‬
‫واختيار القاضية ينسجم وطبيعة‬        ‫يسأله ابن عبدوس بتسليم القابل‬          ‫الواقع أي ًضا‪ ،‬في تنام يفضي بهما‬
‫المرأة في التفهم والصفح إذا اتصل‬    ‫للهزيمة‪“ :‬أفأنت على العهد؟‪ /‬ابن‬          ‫إلى مودة وتفاهم مضمرين‪ ،‬على‬
                                    ‫زيدون‪ :‬هو ما يجعل قلبي حيًّا‪”..‬‬        ‫طول ما بينهما من تراث للكراهية‬
         ‫الموضوع بمسألة الحب‪.‬‬          ‫(ص‪ ،)104‬هذه الحميمية التي‬
 ‫نجا ابن زيدون أخي ًرا من محكمة‬        ‫انتهى إليها الرجلان بعد طول‬                                ‫المتبادلة‪.‬‬
                                    ‫عداء ترجع إلى ابن زيدون (لسان‬           ‫وعلى العكس مما تنبئنا به سيرة‬
      ‫أحمد سراج وأقنعنا بصحة‬          ‫أحمد سراج) وأنه هو من قصد‬             ‫ابن عبدوس من غرور وغطرسة‬
‫موقفه والتعاطف معه‪ ،‬وتحقق ما‬          ‫إليها استجابة للتحولات وحكمة‬           ‫وجهل وتباه بكل ما هو حسي؛‬
 ‫راهن عليه الشاعر‪ ،‬عبر التسامح‬         ‫السنوات التي ناسبها التسامح‬          ‫يقدمه لنا الشاعر حكي ًما متفه ًما‪،‬‬
                                           ‫والتعقل لا العداء‪ ،‬وبالحب‬
   ‫والوفاء‪ ،‬بأن التقى ابن زيدون‬        ‫والتسامح أضاف أحمد سراج‬                 ‫فما الذي أراده ح ًّقا من تغيير‬
‫ولادة سما ًعا في ندائها الأخير له‪،‬‬    ‫إلى الحكاية محاكمة ابن زيدون‬              ‫مسار الأحداث فنيًّا؟ لا أرى‬
                                     ‫وانتصف له‪ ،‬وهو انتصار للحب‬               ‫إلا إعلاء قيمة التسامح على ما‬
    ‫لينتصر الحب ويغلق الستار‪.‬‬          ‫والتسامح الإنسانيين الأبديين‬           ‫عداها من بغض وحقد‪ ،‬حسب‬
                                    ‫على مكائد السياسة بكل تحولاتها‬          ‫ما يخبرنا به تصاعد الحوار بين‬
           ‫(‪)3‬‬                                                                ‫الغريمين اللدودين‪ ،‬فعلى الرغم‬
                                                           ‫الدموية‪.‬‬
     ‫قدم أحمد سراج شخصيات‬              ‫نصب أحمد سراج محكمة ابن‬
  ‫مسرحيته وفق خطته المرسومة‬

       ‫من البدء‪ ،‬صحيح أنه قدم‬
   ‫غالب الشخصيات في سياقاتها‬

    ‫التاريخية المعروفة‪ ،‬لكنه كان‬
   276   277   278   279   280   281   282   283   284