Page 278 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 278

‫العـدد ‪25‬‬                           ‫‪276‬‬

                                      ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

 ‫جمهور النساء اللائي هن الأكثر‬                    ‫آر جي كولينجوود‬            ‫ما تسلم الجرة كل مرة‪ /‬كيد‬
   ‫انصا ًتا لحكاياته‪ ،‬بسبب قدرته‬                                               ‫الشياطين ولا كيد النساء)‪.‬‬
                                                ‫محمد ع ِّز الدين التازي‬
‫على التعبير عن أسرارهن وفضح‬                                                  ‫وبهذا ي ّس ُّك البناء الروائي لغة‬
   ‫دسائسهن أكثر من تعبيره عن‬           ‫في ساحة عمومية عارية كلما‬         ‫جديدة من رفات اللغة الكلاسيكية‬
                                     ‫نطقت بكلمة أو نقلت واقعة أو‬
‫أسرار الرجال‪ .‬ولهذا يلمنه بشدة‬        ‫أنطقت مخلو ًقا أو ذكرت معي ًبا‬         ‫في الحكاية القديمة‪ ،‬فلا تعود‬
  ‫ويبوبخنه بقوة إذا أساء إليهن‪،‬‬                                             ‫هناك قطيعة مع السرد القديم‪،‬‬
  ‫وهو ما واجهه الح ّكاء حين أتته‬        ‫طلبت المغفرة والستر فما لا‬       ‫بل هي قطيعة مع السرد الحديث‪،‬‬
  ‫امرأة معها زوجها‪“ :‬جاء ْت به‬         ‫يصيبك قد يلاحق ذريتك”(‪.)12‬‬
                                                                              ‫حيث الارتحال المكاني يتخذ‬
‫إلى حلقتي فاشبعني َل ْك ًما‪ ،‬قالت‬       ‫بيد أ ّن لهذا التنويم خطره على‬        ‫سيولته من الماضي‪ ،‬محتو ًيا‬
   ‫له هذا من حكى لنا كيف على‬         ‫الح ّكاء لأن بإمكان الجمهور إنزال‬
     ‫المرأة أن تتمنع على زوجها‬                                                        ‫الواقعي والتاريخي‪.‬‬
   ‫أياما وليالي ولا تتركه يظفر‬         ‫أقسى العقوبات به إذا ما فشل‬       ‫ويتناو ُب ضميرا المتكلم والمخاطب‬
    ‫بها إلا بعد أن تروضه مثل‬         ‫في مهمته‪ ،‬ومن ذلك مث ًل التقريع‬
   ‫شهرزاد بعشرات الحكايات‪،‬‬             ‫الذي قابلته به المرأة التي طلقها‬     ‫على سرد الراوية ذات الفصول‬
       ‫وأنا فعلت ما قلت فبئس‬                                                  ‫الثمانية‪ ،‬لكن الأنا تطغى على‬
                                              ‫زوجها بسبب حكاياته‪.‬‬                ‫الأنت جاعلة (السرد مثلي‬
‫العاقبة والمصير”(‪ .)13‬كما باغتته‬       ‫وأكثر الذين يخافهم الح ّكاء هم‬         ‫الحكاية) “علمتني السباحة‬
 ‫امرأة أخرى‪ ،‬متهمة إياه بالسرقة‬
 ‫والمواربة “كيف تسرق حكايتي‬                                                ‫في الحكايات أن أسل الخيوط‬
                                                                         ‫وأحيك المفكك‪ .‬أن أخفي المفكك‪..‬‬
    ‫هي حياتي ترويها بالمقلوب‬
                   ‫كيف؟!”(‪.)14‬‬                                                ‫أن أطيل الصبر هو أول ما‬
                                                                               ‫يحتاج إليه المشتاق ليبلغ‬
     ‫وليس غريبًا أ ْن يوعد الح ّكاء‬                                             ‫مراده‪ .‬وأنا هنا في حاجة‬
 ‫جمهوره ببلاد اسمها بلاد النون‬                                                ‫لاستخدام صبري إلى أبعد‬

    ‫ويطلب منهم انتظارها‪ ،‬والتي‬                                                                ‫تقدير”(‪.)10‬‬
 ‫ستكون محطة الارتحال الأخيرة‬                                                ‫فالحكاء هو البطل المتفرد الذي‬
                                                                            ‫تمركز منت ًجا‪ ،‬معام ًل جمهوره‬
      ‫التي يهتدي إليها من خلال‬                                              ‫المتحلق حوله معاملة المستهلك‪،‬‬
‫سورة نون والقلم‪ ،‬التي هي عنده‬                                             ‫فمث ًل حين تقترب سويعة صلاة‬
                                                                         ‫المغرب يصبح واجبًا على الجمهور‬
    ‫كالمنوم‪ .‬وحين يصل إلى بلاد‬                                            ‫أن يتفرق‪ .‬أما من أراد الاستزادة‬
   ‫النون يجدها بلاد النساء التي‬                                            ‫فعليه أن يزيد دره ًما إلى عشرة‬
‫فيها نونة عجوز شمطاء تعيش في‬                                                ‫“هل تعرفون القصة الكاملة‬
  ‫الجبل وتأكل الرجال ولا تشبع‪،‬‬
  ‫لكن حقيقتها تظهر بعد أن يعثر‬                                                ‫لطائر الرخ‪ ،‬حكاية عجيبة‬
   ‫الحكاء على المخطوطة الضائعة‬                                             ‫ذكروني بها لأقصها عليكم في‬
 ‫(سيرة القديسة نونة هادية بلاد‬
 ‫الكرج)‪ ،‬وتكون المفارقة أ ّن نونة‬                                                          ‫يوم آخر”(‪.)11‬‬
  ‫ليست هي ال ّشر؛ بل هي ال ّسيدة‬                                         ‫ولأن الجمهور ليس متعل ًما‪ ،‬يتقبل‬
‫الوقور القديسة التي ستسلب لبَّه‪،‬‬                                         ‫التخاريف بسهولة منو ًما بالحكاية‬
‫وفي هذا توكيد أ ّن ما نقله التاريخ‬
 ‫عن النساء خاطيء ومزيف‪ ،‬فهن‬                                                 ‫تنوي ًما ممغن ًطا مفتو ًنا بالجذبة‬
   ‫لسن الإغواء والخطيئة؛ بل هن‬                                                 ‫والسحر والخيال في انتظار‬

                                                                         ‫المجهول‪“ :‬فأنا جمهوري يجلس‬
                                                                              ‫أمامي يحيط بي في حلقتي‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283