Page 8 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 8

‫العـدد ‪25‬‬                                      ‫‪6‬‬

                                              ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

  ‫سيشعل النيران عالية هو البعد الإيماني‬          ‫السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم‬
‫للصراع والتناقض‪ ،‬والهوس وإلغاء العقل‬          ‫لمن يفهمون فيها‪ ،‬مما ساعد على النهضة‬

          ‫الذي يسم المتدينين المتعصبين‪.‬‬          ‫التي نراها ونعيشها الآن‪ ،‬وأصبح من‬
   ‫كتب التراث الإسلامية تشهد مراجعات‬                ‫الصعب التفريط في تلك المكتسبات‪.‬‬
  ‫واسعة ج ًّدا في العقد الأخير‪ ،‬خاصة بعد‬          ‫الخوف أن يستفحل التباين بين قيم‬
   ‫فشل تجربة حكم الإخوان المسلمين في‬
 ‫مصر‪ ،‬وانكشاف شعاراتهم الخاوية التي‬           ‫الحضارة الأوروبية؛ ومنطلقات وأهداف‬
  ‫انهارت في أول تجربة عملية‪ ،‬وقد ساعد‬            ‫جماعات الإسلام السياسي التي تدير‬
  ‫على هذه المراجعات التوسع في استخدام‬              ‫المشهد‪ ،‬فنصل إلى ما يمكن تسميته‬
  ‫شبكة الإنترنت‪ ،‬فقد سهلت رؤية العالم‬
‫كيف يعيش‪ ،‬ونظم الحكم كيف تتغير‪ ،‬كما‬            ‫(المسألة الإسلامية)‪ ،‬على غرار ما عرف‬
   ‫أتاحت البحث عن الموضوعات المختلف‬           ‫بالمسألة اليهوية في نهايات القرن التاسع‬
   ‫حولها في التراث بالوصول اليسير إلى‬
  ‫أمهات الكتب‪ ،‬وأخي ًرا أعطت كثيرين من‬            ‫عشر وبدايات القرن العشرين‪ ،‬بعزل‬
                                                ‫اليهود أنفسهم عن الآخرين وانزوائهم‬
    ‫المستنيرين فرصة للحديث عبر موقع‬            ‫في جيتوهات مغلقة عليهم رف ًضا للآخر‬
     ‫يوتيوب غير المراقب الذي لا يخضع‬         ‫المختلف‪ ،‬الأمر الذي أدى إلى الهولوكوست‬
   ‫للحسابات الداخلية‪ ،‬وبقي أن تستجيب‬
‫المؤسسة الدينية لهذه المراجعات وتشارك‬                ‫والفظائع التي حدثت في الحربين‬
 ‫فيها بقوة‪ ،‬وأن تخطو خطوات جادة نحو‬           ‫العالميتين الأولى والثانية‪ ،‬فاللعب بالمعتقد‬
  ‫تنقيح الكتب‪ ،‬وتوجيه البحث الأكاديمي‬
     ‫صوب توحيد المفاهيم والمصطلحات‪،‬‬               ‫الديني لع ٌب بالنار سيحرق الأخضر‬
  ‫واقتراح حلول عصرية تخضع للعقل في‬                                         ‫واليابس‪.‬‬
   ‫الأمور الجدلية المختلف حولها‪ ،‬انطلا ًقا‬
    ‫من نظرة أكثر فه ًما لروح النصوص‪،‬‬              ‫الأزمة –إذن‪ -‬بين نمطين من التفكير‬
    ‫بدي ًل عن التمسك بظواهرها والتشبث‬        ‫والنظر إلى الحياة والمستقبل‪ ،‬نمط نجح في‬
     ‫بإيقاف الحياة وسحبها للخلف‪ ،‬ولن‬          ‫تحييد مسألة التدين وحصرها في النطاق‬
‫يتأتى هذا إلا بفتح الاجتهاد‪ ،‬وإلغاء قانون‬
 ‫ازدراء الأديان وعدم محاكمة المجتهدين‪،‬‬            ‫الروحي‪ ،‬ويرى أن التطور مسؤولية‬
 ‫فمن أخفق له أجر ومن أصاب له أجران‪،‬‬          ‫العلماء والتقنيين والأبحاث والاكتشافات‪،‬‬
      ‫وأن تناطح الحجة مثيلتها‪ ،‬والفكرة‬
 ‫الفكرة‪ ،‬وأن لا يستقوى طرف على الآخر‬           ‫يؤمن بالديمقراطية وحكم الشعب نفسه‬
  ‫ليجبره على سلوك طري ٍق لا يريده‪ .‬الحل‬       ‫لنفسه وبالتداول السلمي للسلطة‪ ،‬ونمط‬
     ‫هو أن نفكر في كل الطرق التي تجعل‬
      ‫الإسلام دينًا عصر ًّيا صال ًحا ليومنا‬      ‫آخر يرى أن أفضل القرون هو القرن‬
   ‫هذا بأساليبه وأدواته وتقنياته وعلومه‬        ‫الثامن الميلادي‪ ،‬وأنه علينا أن نعود إليه‬
       ‫واختراعاته‪ ،‬وألا يخاصم العلم ولا‬         ‫ونتمثله ونطبق كل ما كان يحدث فيه‪،‬‬
‫يستعدي العلماء‪ ،‬وأن يتوقف الشيوخ عن‬
‫دس أنوفهم فيما لا يعرفون‪ ..‬ساعتها فقط‬            ‫وأن النبي رسول وقائد‪ ،‬وأن الإسلام‬
    ‫ستنمحي الأزمة بين الإسلام والغرب‬             ‫دين ودولة لا يمكن فصل أحدهما عن‬
                                             ‫الآخر‪ ،‬وأن الحكم لله والديمقراطية وحكم‬
                                               ‫الشعب انتقاص منه‪ ،‬ليس ذلك فقط‪ ،‬بل‬
                                                ‫يؤمن أنه أُمر أن يطبق ذلك ولو بالقوة‬
                                               ‫إعلا ًء لكلمة الله‪ .‬هذا التناقض البيِّن بين‬
                                             ‫النمطين والمؤمنين بهما لا بد أن ينتج عنه‬
                                                 ‫صدام إن ُتركت الأمور لتسير سيرها‬
                                                  ‫الطبيعي‪ ،‬فكل فريق يمشي في اتجاه‪،‬‬
                                             ‫وكلاهما يقتنع إلى حد اليقين أنه الصواب‬
                                             ‫المطلق وأن الآخر هو الخطأ المطلق‪ ،‬والذي‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13