Page 10 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 10

‫العـدد ‪25‬‬    ‫‪8‬‬

                                                          ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

‫ممدوح ف ّراج النابي‬

‫الأصل البعيد‪:‬‬
‫خطوط الانحدار ال ّسلالي‬

‫تعامل محفوظ وإحسان عبد القدوس وسليمان فياض مع شخصياتهم‬

‫الواقعية على أنها شخصيات روائية‪ ،‬فمنحوها أبعا ًدا جديدة مفارقة‬
‫لواقعها‪ .‬وهو نفس ما فعله دوستويفسكي مع شخصيته التي التقاها‬

‫في السجن‪ ،‬فصاغ رواية متكاملة عن هذه الشخصية بإضافة الكثير‬
‫من العناصر‪ ،‬وأي ًضا بتغيير بعض ملامحها وإن كان قد احتفظ‬

‫بروحها الأصل ّية‪.‬‬

   ‫الأجناس القريبة والمتداخلة مع حدودها كالسيرة‬          ‫«ال ُك َّتاب ال ِعظام‪ ،‬هم ق ّراء عظام»‬
    ‫الذاتيّة ورواية السيرة والمذ ّكرات وغيرها‪ ،‬إ َّل أن‬  ‫«إن الواقعة ليس لها أب ًدا سوى وجود لساني»‬
    ‫اقترانها بالتخييل [كح ٍّد مانع يفرقها عن غيرها]‬      ‫رولان بارت‬
  ‫لم يمنع من تماسها مع الواقع‪ ،‬باستحضار بعض‬
  ‫عناصره داخل نسيجها مصبو ًغا بالتخييل‪ ،‬وليس‬                  ‫في ندوة ‪-‬قديمة‪ -‬عن علاقة الرواية بالواقع‪،‬‬

       ‫مجرد ما َّدة قار‪ .‬فالمعلوم ‪-‬كما يقول روبرت‬               ‫استفاضت الكاتبة الفرنسية‪ -‬الروسية ناتالي‬
   ‫إيغلستون‪ -‬إن العمل الروائي لا ُيخلق من العدم‪،‬‬            ‫ساروت (‪ )1999 -1900‬عن واقع الروائي بحكم‬
    ‫وكل روائي بطبيعة الحال يستذكر في عقله أثناء‬            ‫تجربتها‪ ،‬فقالت‪« :‬إنه واقع يختلف عن واقع الناس‪،‬‬
   ‫عملية الخلق الروائي‪ ،‬كل الروايات التي سبق له‬
   ‫قراءتها»‪( .‬الرواية المعاصرة‪ :‬مقدمة قصيرة ج ًّدا‪،‬‬             ‫الذي يدركونه بشكل فوري ومباشر‪ ،‬فالواقع‬
‫ترجمة لطفية الدليمي‪ ،‬دار المدى للنشر)‪ .‬وهنا يمكن‬              ‫بالنسبة للروائي هو المجهول واللامرئي‪ ،‬هو ما‬
                                                          ‫يراه بمفرده»‪ .‬وأضافت أن «الروائي عندما يستعين‬
      ‫أن نضيف الحوادث [أو الوقائع] التي خبرها‪.‬‬             ‫بواقع عادي تكون مهمته الكشف عن واقع جديد»‪.‬‬
     ‫هذه العلاقة الشائكة بين الروائي وواقعه الذي‬           ‫كانت ساروت معنية بشكل أساسي بفكرة الابتكار‬
‫يستمد منه حكاياته وأبطاله‪ ،‬لا ُتقلّل من جدية العمل‬             ‫كمضاد للتقليد‪ ،‬حتى أنها صاحت مستنكرة ما‬
   ‫الجديد الذي لا ينتسب إلى الماضي سوى بتقاطع‬              ‫يقوم به الأغلبية من الروائيين البريطانيين» (و) قد‬
‫الخيوط بين البطلين‪ ،‬بل تكشف عن قدرة الكاتب في‬                ‫أسقطوا رواية الابتكار‪ ،‬وقبعوا راكدين حيث هم‪،‬‬
‫تحويل الواقعي‪ /‬الحقيقي إلى خيالي بإضافة عناصر‬            ‫وراحوا يلتفتون صوب الوراء‪ ،‬أو أنهم حتى ما عادوا‬
 ‫جديدة ورؤية مغايرة لهذه الوقائع أو الأحداث عن‬
    ‫تلك التي كانتها في واقعها‪ .‬فكما يقال‪« :‬بأن ثمة‬                            ‫يدركون وجود سباق أص ًل»‪.‬‬
‫غشا ًء رقي ًقا فحسب هو ما يعزل الواقع عن الخيال»‪.‬‬            ‫وبقدر ما اقترنت الرواية التي هي شكل تعبيري‬
                                                            ‫‪-‬في الأساس‪ -‬بالتخييل‪ ،‬وهو ما ميّزها عن سائر‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15