Page 14 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 14
العـدد 25 12
يناير ٢٠٢1
تسحقه وتسحقهم» (محمد شعير :أولاد حارتنا، الحقيقي»( .غالي شكري :من الجمالية إلى نوبل ،دار
الرواية المحرمة) الفارابي ،بيروت)1991 ،
كما وجدها محفوظ فرصة لأن ُيعبِّر عن مخاوفه كشف نموذح سعيد مهران الباحث عن الخلاص
ال ّشديدة لانحرافات الثورة في أكثر من عمل ،وقد الفردي ،بكل أزماته وإحباطاته ،فداحة الواقع الذي
أدان -من قبل -الخروج عن المسار الديموقراطي في تفسخت قيمه ،حيث علت الفرد ّية والانتهازية كما
قصة قصيرة بعنوان «الخوف» ُنشرت في مجموعة في شخصية رؤوف علوان .ومن جانب آخر كشفت
«بيت سيئ السمعة» سنة،1965 ثم انتقدها بصورة الرواية عن َعوار تطبيق مبادئ ثورة 1952وعلى
حادة في رواية «الكرنك» التي كتبها بعد الهزيمة عام الأخص الاشتراكية والعدالة .وهو ما كان بمثابة هتك
وفضح لكل الشعارات الزائفة التي نادى بها قادة
1967وتحدي ًدا في 1971ونشرها في .1974
وقد كانت رواية الكرنك تجسي ًدا للقهر السياسي الثورة.
الذي قابل الهزيمة ،فبد ًل من الانتصار على الخارج سعيد مهران منذ نشأته ،هو ممثّل لهذه الطبقة
كان الاتجاه لقهر الداخل ،وهو ما تمثل في حملة المطحونة التي تآكلت بفعل الطبقة الإقطاعية ،وقد
الاعتقالات والتعذيب لكل المعارضين .اللافت أن اضطرته الظروف إلى ال ّسرقة ،التي ز َّينها له رؤوف
بطلها لم يكن خياليًّا بل من الواقع نفسه ،هو واحد علوان باعتبارها فع ًل بطوليًّا ما دامت من فيلات
الأغنياء .كما كان ث ّمة انتقا ٌد لجماعة التصوف التي
ممن تعرضوا للتعذيب ،فكما يقول محفوظ عن انتشرت بعد الثورة ،ومن ث ّم ض ّمن محفوظ هذه
فكرة رواية «الكرنك»« :فقد وردت إلى ذهني وأنا العمل رؤيته للواقع الجديد الذي ح ّل ،وتلك المتغيرات
أستمع إلى أصدقاء مقهى ريش وهم يق ُّصون عليَّ ما التي كانت تدعو إلى الاستكانة والسلبية ،ومن ثم
لاقوه ِمن صنوف التعذيب أثناء فترة اعتقالهم .قل ُت انتقادها ،ورفضها .بل يمكن القول إن محفوظ وجد
لنفسي« :لماذا لا أس ّج ُل هذه الأحداث في عمل روائي بغيته في شخصية محمود أمين سليمان (وقد ح ّولها
لألفت الأنظار لهذه القضية؟ واختمر ْت فكرة الرواية إلى شخصية سعيد مهران ،البطل الإشكالي بتعبير
لوسيان جولد مان) ،لكي يوجه سهام انتقاده لثورة
في رأسي بعد أن قابلت اللواء حمزة البسيوني يوليو ،ويشير بأصابعه دون مواربة وخوف لمزالق
الذي كان مدي ًرا للسجن الحربي .فذات يوم ذهبت الثورة التي آمن بها الناس ،وكأن محفوظ -كما يقول
محمد شعير« -أراد أن يسير عكس الاتجاه السائد
إلى مقهى عرابي بصحبة جمال الغيطاني ،وأثناء في تلك الفترة ،حيث الاحتفالات بالانتصارات الكبرى،
دخولنا صافح الغيطاني شخ ًصا كان يلعب الطاولة والزحف الاشتراكي المقدس ،في حين أن أبناء الحارة
مع صديق له على منضدة مجاورة لنا .وأخبرني لا يزالون
مطحونين
بلا كرامة،
وبلا عدل،
وبلا حرية،
تتوازى
أصواتهم
مع صوت
سعيد
مهران وهو
يصرخ،
والكلاب