Page 17 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 17
بقدر ما اقترنت الرواية بالتخييل ،إَّل أن
اقترانها بالتخييل [كح ٍّد مانع يفرقها عن
غيرها] لم يمنع من تماسها مع الواقع،
باستحضار بعض عناصره داخل نسيجها
مصبو ًغا بالتخييل ،وليس مجرد ما َّدة قار.
فالمعلوم-كما يقول روبرت إيغلستون -إن
العمل الروائي لا ُيخلق من العدم ،وكل
روائي بطبيعة الحال يستذكر في عقله
أثناء عملية الخلق الروائي ،كل الروايات
التي سبق له قراءتها". روبرت إيغلستون
يرى فاروق عبد القادر «أ ّن َمن يراجع تفاصيل لما حدث من تطورات سياسية تتعلّ ُق
روايات رفاق شهدي الذين شهدوا تعذيبه وموته، بإلغاء ال ّرقابة على ال ُّصحف ،وهذا ما
ذكرته مارينا ستاغ في كتابها «حدود حرية التعبير»
وبينهم عدد من الصحفيين والكتاب ،وأستاذة (شرقيات ،ص .)263ونفس الشيء أكده فاروق عبد
الجامعةَ ،ي َر أن تلك الخبرة لم تكن بعيدة عن فتحي القادر في كتابه «من أوراق القبول والرفض» بأن
غانم ،وهو يصوغ المشهد الرئيسي في حكاية تو»، عام 1974فتح مل ًفا من أشهر ملفات ما حدث في
سجون النظام الناصري ،أواخر الخمسينيات وأوائل
ويستكمل أن «الرجل الذي لا يعطيه اس ًما يكاد الستينيات ،ملف قتل شهدي عطية الشافعي .أو
يكتسب ملامح شهدي من حيث تميزه في الجسد بمعنى أدق كان ثمة ضوء أخضر من نظام ال ّسادات،
والمكانة بين رفاقه ،ومن حيث مهنته ومن حيث بتعرية نظام سلفه (عبد الناصر) ،فالملفات القديمة
قد ُفتحت ،ولا ب َّد من فضح ما حدث وأحاطه الكتمان
ترتيبات الحفلة التي قتل في نهايتها .ومن حيث حين حدوثه حتى تبقى إمكانية للتجاوز .وكان نجيب
النتائج التي ترتبت على مصرعه حتى الضابط الذي محفوظ قد نشر في أوائل السنة روايته «الكرنك».
يميل كثير ممن قرأوا الرواية إلى أن شخصية والد
أشرف على ترتيب تلك الحفلة احتفظ له الكاتب تو ،تعود –في أصلها -إلى شخصية المناضل «شهدي
بملامحه الجسدية -النفسية». عطية الشافعي» الذي ُقتل تحت التعذيب في سجن
«أبو زعبل» في 15يونيو .1960ومع التقاطعات
ينضم بهاء طاهر إلى القائلين بأن الشخصية تعود الكبيرة بين والد بطل الرواية وشخصية شهدي
إلى شهدي عطية ،ففي مقالة له بعنوان «فتحي عطية ،إلا أن ثمة خي ًطا -ولو من حرير -يش ُّدها
غانم :الحياة في الرواية» نشرت في مجلة إبداع إلى شخصية الفيلسوف المصري إسماعيل المهدوي،
أو الرفيق إسماعيل المهدوي «أحد أقطاب ومؤسس
(أبريل ،)1999أشار إلى أن الرواية تحكي عن حدث الحركة الشيوعيّة المصر ّية منذ الأربعينيات»َ .من
معروف ،وأشار إلى قضية مقتل شهدي عطية. يرجحون كفة شخصية شهدي عطية ،مرجعهم أن
إسماعيل المهدوي ،لم يمت في التعذيب ،وهو ما يتنافى
هذا الاختلاف وارد عند ر ّد الشخصيّة الروائيّة إلى مع تعذيب والد تو على يد اللواء زهدي بك.
أصلها الواقعي /المرجعي ،خا ّصة أن المؤلف -نفسه-
لم ُي ْد ِل بتصريحات ،تكشف عن بطلة روايته ،وإن
كان ثمة دلائل ترجح ِكفة طرف على آخر .في الحوار
الذي أجراه معه حسين السيد في مجلة البيان