Page 19 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الجنود المجهولون
يعترف إحسان عبد القدوس
( )1990 -1919في مقالته
القصصية «أين ذهبت صديقتي
اليهودية» (وإن كان هو يشير
إلى أنها قصة)ُ ،نشرت ضمن
كتاب بعنوان «الهزيمة كان
اسمها فاطمة» بأنه يستقي
حكاياته من الواقع ،فيقول:
«أعترف أنني لا أكتب القصة إلا
بتأثير إيحاء من الواقع» ،ويشير
إلى هذه الشخصيات الملهمة
بأنهم «الجنود المجهولون»،
وإن كان في نفس الوقت ُيش ّدد
على أن نسب بعض القصص
فاروق عبد القادر ناتالي ساروت علي الراعي إلى شخصيات مح ّددة ،بمثابة
أقرأ الفرنسية ،وجلاديس تجيد الفرنسية ..وعندما الظلم له وللشخصيات المح ّددة،
اكتشف ْت هواياتي الأدبيّة ،بدأت تترجم لي كثي ًرا من فهو يؤ ّكد على دور الفنان في إعادة الخلق من جديد،
القصص الفرنسيّة التي تقرؤها ،وهي التي عرفتني فعنده أن كاتب القصة مثل الفنان ،فإذا كانت الصنعة
ُتعطي الحق -أو تفرض على -للفنان في «أن يتح ّرر
بالكاتب الفرنسي جي دي موباسان ،»..ويستمر
من واقع الشجرة التي يرسمها ،أو الموديل الذي يقف «هذا الاهتمام الأدبي المتبادل أطال في عمر صداقتنا..
أمامه وهو يرسم» ،كذلك كاتب القصة «قد يجمع في جلاديس وأنا ..كانت أقرب إلى الصداقة الأسرية،
خياله معالم مائة شخصية مرت به ليأخذ من كل
فالأسرتان أي ًضا كانتا متعارفت ْين ..وطول عمر هذه شخصية خي ًطا واح ًدا ويرسم من مجموعة الخيوط
الصداقة لم أكن أشع ُر أب ًدا بأنها يهودية ..لم يكن
يخطر ببالي أن أقيسها بمقياس ديانتها». التي يجمعها شخصية بطل أو بطلة القصة التي
يذكر إحسان عبد القدوس -في المقالة القصصية- يكتبها».
فيتحدث -بصفة عامة -عن الشخصيات المُلهمة
الكثير من تفاصيل علاقته بجلاديس وموقع أسرتها
له في كتابة الكثير من قصصه ،ولا أحد يعرفها،
في الحي ،والتكوين الاجتماعي لأسرتها الذي يختلف
بالطبع عن أُ َسر الحي ،وعن التباعد الاجتماعي الذي ثم يخ ُّص بشيء من التفاصيل شخصية جلاديس؛
كان سمة بين الأسر ،وهو نتاج طبيعة العمل لا ِنتاج لما لها تأثير كبير في الكثير من قصصه .فيقول إن
«جلاديس» هي شخصية يهودية ارتب َط بها بحكم
أنها يهودية .وهذا التباعد انعكس عليه –بالطبع،-
سكنها بالقرب منه؛ فيذكر «لا أحد ممن قرؤوا لي
فعندما يزورها كان يشعر «بأنه غريب» فيجلسونه قص ًصا يعرف مث ًل جلاديس أو يعرف مدى تأثيرها
على نبضات فكري التي أوحت إل َّي بأكثر من قصة»..
«في حجرة الاستقبال ،وكل أبواب الحجرات الأخرى
مغلقة (أمامه)» ،إلى أن انقطعت هذه الزيارات ويعرفها هكذا« :جلاديس فتاة يهودية كانت تقيم
قريبًا منِّا في ح ّي العباسية ،منذ أن كن ُت صبيًّا ،وكان
[النادرة] بطبيعة الحال .كما يحكي عن المواجهات ك ُّل ما يجمعني بها ،هو ما يجمع أولاد وبنات الأحياء
التي كانت تت ّم بين فتوات ح ّي الحسينيّة على ُس ّكان المتقاربة ..وكن ُت منذ صباي أهوى القراءة ..كنت لا
ح ّي الظاهر الذي يقطن فيه اليهود .كما يسرد عن
علاقته بفلسطين التي زارها عام .1945ويذكر أن