Page 21 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 21
19 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
القديمة ،وبالطبع القاتل كان معرو ًفا حيث أرسلت «فدائي عظيم من الجهاز ال ّسري للثَّورة» ،و»بطل
المخابرات الإنجليزية ثلاثة من عملائها في مصر بعد منسي تعاون مع حزب الوفد للقيام بعمليات اغتيال
تستهدف ضباط الجيش البريطاني» .كما ُوصف في
توقيع اتقاقية 1936هم جريفز ،ماركو ،إسكندر كتب المؤرخين بأنه « ُي ِجيد التن ُّكر والتخ ّفي والتح ُّدث
بورجوزافو ،وبالفعل استدرجوا كيره وقتلوه وعبروا بلغات ُم ْخ َتلِ َفة يو ًما ما تجده ن ّجا ًرا ،ويو ًما آخر شي ًخا
عن هذا الإنجاز بعد عودتهم إلى مصر بقولهم« :لقد ُمعم ًما ،وتارة جند ًّيا بريطانيًّا وم ّرة أخرى فلا ًحا
ثأرنا لأرواح جنودنا التى أُزهقت فى مصر ..لقد أدينا بسي ًطا ،وعندما اك ُتشف أمره في اعترافات قتلة السير
الواجب» ،أما جثمان البطل فقد ظل فى العراء نهبًا لي ستاك عام 1924بدأت المخابرات البريطانية
للبوم والغربان حتى كشف عنه البوليس التركي. ملاحقته وأصبح واح ًدا من أهم المطلوبين لديها ،حتى
الرواية لم تقف عند شخصية الثائر فقط ،بل قدمت
جز ًءا من حياته وولعه بالفنون والمسرح والطرب، أنها أصدرت منشو ًرا لجميع مكاتبها في العالم تقول
وعلاقاته بمطربي هذا العصر ،والأهم تعرض لعلاقة فيه «اقبضوا عليه حيًّا أو ميتًا ،اسمه أحمد عبد الحي
حب بين كيره والملكة نازلي قبل زواجها .لم يقدم
أحمد مراد شخصية أحمد كيرة فقط كواحد من كيرة ،كيميائي كان طالبًا في مدرسة الطب ،خطير
الث ّوار المنسيين ،بل ق َّدم العديد من الشخصيات التي في الاغتيالات السياسية ،قمحي ،قصير القامة وذو
لعبت أدوا ًرا مه ّمة للثورة التي احت ّل صدارتها َمن شارب خفيف وعمره 28عا ًما» وتنقل «كيرة» من
قامروا بالبلاد على موائد القمار أو موائد المفاوضات،
فلا فرق بينهما ..فدائ ًما هناك أبطال منسيون ،وثوار مخبأ إلى آخر وعرف «متعة العيش في خطر» كما
يقول نيتشه.
تأكلهم الثورة ولا عزاء للشرفاء!
بعد مقتل «السير لي ستاك» ت ّم تهريبه إلى ليبيا ومنها
الوطني الإرهابي إلى إسطنبول وهناك التقاه الأديب يحيى حقي عام
،1930أثناء عمله كموظف في ال ُقنصلية المصرية
كانت شخصية حسين توفيق الذي اغتال وزير في إسطنبول وكتب عنه في كتاب «ناس فى الظل»
المالية في حكومة الوفد أمين عثمان عام ،1944
مادة خام لروايتي إحسان عبد القدوس «في بيتنا واص ًفا إياه بأنه «بعبع الإنجليز ،يبحثون عنه بعد أن
رجل» التي صدرت عام ،1957ورواية مصطفى فتلوا له حبل المشنقة ،كن ُت لا ألقاه إ ّل صدفة وأل ّح
عبيد «نيتروجلسرين» .2016حكاية حسين توفيق عليه أن نأكل م ًعا فيعتذر قائ ًل :قريبًا إن شاء الله،
تناولتها الصحف وكتابات تاريخية أثناء التأريخ وظ ّل هذا حالي معه أربع سنوات كلما أدعوه يعتذر
لهذه الفترة ،خاصة ما تتمع به شخصيته من ثراء
على مستوى الأفعال التي قام بها ،وكذلك على بأدب ،وقد رأيت فيه المثل الف ّذ لل ّرجل ال ّشريد ،كانت
مستوى تع ُّدد عوالمها فقد جمعت الشخصية بين ملابسه تدل على مقاومة عنيدة للفاقة وغلبت صفرته
التحتانية على لونه الأصفر ،يمشي على عجل َويحذر
المغامرة والإثارة والتشويق.
يعود نشاط توفيق إلى عام ١٩٤٢عندما ك ّون مع كأنه يحاول أن يفلت من جاسوس يتبعه ،ويخلو
أشقائه وأبناء خالته جمعية سرية وطنيّة الغرض كلامه من أي عاطفة ،فلا تدري إن كان متعبًا أم
منها تطهير مصر من الاحتلال والخونة ،وبدأت غير متعب ..جيبه نظيف أم دافئ ،معدته خاوية أم
مهامهم بحرق معسكرات الإنجليز وقتلهم في حي
المعادي .وقد ساهم الكاتب إحسان عبد القدوس عامرة؟».
في إخفاء القاتل من أعين البوليس السياسي ،لمدة ويستمر حقي قائ ًل «حاولت أن أعرف أين يسكن فلم
ثلاثة أيام في منزله في غرفة نومه الخاصة ،ولكن في
اليوم الرابع يكتشفه أحد الخدم ،ويتم تهريبه ببدلة أنجح وقيل لي إنه يسكن في ثلاث شقق كل منها في
حي بعيد عن الآخر ولا ينام في فراش واحد ليلتين،
إنه يعلم أن المخابرات البريطانية لن تكف عن طلبه
حتى لو ف ّر إلى أقصى الأرض ،إنها لا تنسى ثأرها
البائت».
بعد سنوات من التشرد والنسيان يوجد جسد
أحمد كيره مقتو ًل أسفل سور مدينة إسطنبول