Page 26 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 26

‫العـدد ‪25‬‬                                                                            ‫‪24‬‬

                                                       ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

      ‫العبارة المفتاحية التي التقطناها‪ ،‬صارت الآن‬     ‫هذا الانسحاق الآن عبر هذه المرأة‪ .‬ومثل هذه‬
 ‫أوضح‪ :‬مع كسر الرومانسية كرؤية فلسفية‪ ،‬فهي‬
                                                      ‫الألاعيب كررها الشاعر في نصوص لاحقة بالمهارة‬
     ‫لا تتناسب مع الأداء الشيطاني المارق لقصيدة‬
     ‫النثر‪ ،‬ثم إن الشاعر غير خاضع لسلطة ما‪ ،‬لا‬        ‫ولِي َمتي‪،‬‬   ‫نفسها (خاصة نص عيد النساج‪ ،‬وغيره)‪:‬‬
 ‫أخلاقية نمطية ولا ثقافية تسند السلطة السياسية‪.‬‬        ‫َص َنمي‬    ‫لبليه‪َ،‬نوُغ َع ْظص َنميين‪َ ،‬جف ِروي َ ٌقح‪،‬الملألاطءهِة‪،‬و‬                 ‫«أر َف ُع‬
‫وهذا ما نرى تمثيلاته عبر النصوص كلها بشكل أو‬                                                                                ‫َصر َختي‬       ‫وين َف ُّك‬
                                                                                                                            ‫ال َق ِمي ُص‪،‬‬
                                          ‫بآخر‪.‬‬       ‫َيمسوان ِم ِخَهطا ٌ‪،‬نر‪ِ ،‬وأفكانإال ُفأرصر َبِبن ِعُأطهااغ‪،‬لَتمرب ِأآصَلةيُّبا‪ /‬اِاتللرأكلك َسوبن َاعفن‪،‬يأُي‪،‬بِمعزوثِأَ ُورت ٍدَرفبيَّاسلرُبحَّق‪.‬دٍة‪،‬يمقنِة‪،‬‬
 ‫لا يركن محمد عيد إبراهيم إلى شك ٍل ما من أشكال‬                    ‫وأُلا ِع ُبها َوحدي»‪.‬‬
‫الكتابة الشعرية‪ ،‬بمعنى أننا نصادف لديه نصو ًصا‬        ‫نحن هنا أمام أداء بودليري لا لبس فيه لمن يتمعن‬

    ‫مكتوبة بأسط ٍر متتالية‪ ،‬كما نجد نصو ًصا ذات‬       ‫في الأمر‪ .‬وهنا نفهم الآن كيف كانت عبارته (لا‬
  ‫مقاطع تأتي ككتلة واحدة لا تسطير فيها‪ .‬وهو لا‬        ‫أريد كسر رومانسية أحد) مجرد ته ّكم لطيف يم ّهد‬
‫يفعل هذا جزا ًفا‪ ،‬بل يفعله ببصيرة المنهمك بتأسي ٍس‬    ‫لهذه الوليمة الأخيرة الملأى بالوحشية الفاقعة‪.‬‬
   ‫فن ّي لكتابته‪ .‬بحيث يأتي توزيع الأسطر محمو ًل‬
‫على مسعى جمالي نابع من داخل النص ومقتضياته‪.‬‬           ‫(صنمي ساخن‪ -‬كالفرن أغتصب الركوع‪ -‬آليات‬
  ‫وبهذا يأخذ كل ن ّص شكله الخارجي كما يليق بما‬
                                                      ‫أسناني) ثم يتوج الصدمة بتلك المقولة التي نرى‬
     ‫فيه‪ .‬فهو لا يخضع طاع ًة لا لأح ٍد ولا لنموذ ٍج‪.‬‬  ‫فيها ليس فقط بودلير بل جورج باتاي أي ًضا‪( :‬أرب ُط‬
  ‫ويذهب في نسيجه كل مذه ٍب صدام ٍّي منسج ٍم مع‬        ‫المرأ َة‪ /‬الكل َب في ِمز َو ٍد بالحديق ِة‪ ،‬وأُلا ِع ُبها َوحدي)‪.‬‬
  ‫غاية الشع ِر بصورة عامة‪ .‬أ ّي شعر يكون مسالمًا؟‬     ‫الشاعر في المدينة‪ ،‬ذو خطا ٍب لغو ٍّي مطاب ٍق لشقاء‬
                                                      ‫الإنسان في علاقته بالعشق‪ ،‬إذا هي مدينة مأزومة‬
     ‫حتى الشعراء الذين يحاورهم في نصوصه هم‬
    ‫شعراء مخربون صداميون فوضويون‪( :‬محمد‬               ‫تنقل أزماتها إلى تفاصيل الإنسان الذي تهزمه‬
 ‫عفيفي مطر‪ ،‬صلاح فائق‪ ،‬أنسي الحاج) فما يجمع‬
     ‫هؤلاء أنهم شعراء لا يشبه الواحد فيهم الآخر‬       ‫انكسارات الحب والجسد‪ ،‬فيصل في النهاية إلى مثل‬
  ‫أب ًدا‪ .‬وهو لا يشبههم‪ .‬كل شاعر منهم نم ٌط نسيج‬
                                                      ‫هذا الموقف الكلب ّي مع المرأة‪ .‬وهنا يكثف الشاعر‬
      ‫وحده‪ ،‬والنساج الذي يلعب في الكتاب له عدة‬                        ‫أصعب لحظة هجاء لكل شيء‪.‬‬
   ‫نسجه الخاصة‪ .‬وما يجمع هؤلاء أنهم سحر ٌة في‬
‫ابتكار اللغة وتشغيلها بطريقة جهنمية فائقة‪ .‬جهنم‬       ‫النص هنا يوحي بأن واقعة ما جرت‪ ،‬ولكنه إيحا ٌء‬
                                                       ‫مو ّظ ٌف في سبيل بناء النص شعر ًّيا لا غير‪ .‬لذلك‬
    ‫الإبداع التي تودي بالقانون والنموذج والمعطى‬       ‫فهو ليس ذا بنية حكائية سردية ولا ينبغي أن‬
‫المسبق‪( .‬مع أننا لاحظنا ذات يوم على بدايات أنسي‬
                                                      ‫يكون‪ ،‬مع استفادته من ممكنات السرد داخل‬
     ‫الحاج نو ًعا من العنف غير المبرر وغير المجدي‬
     ‫مع اللغة‪ ،‬حتى هو غادره فيما بعد)‪ .‬أن تكون‬        ‫الشعر‪ .‬ولو كانت بنية النص حكائية لكان علينا‬
   ‫على شيء من القسوة كموقف من عالم أو وجود‬
     ‫أو واقع؛ فهذا أدا ٌء مختلف عن أن تكون قاسيًا‬     ‫مطاردة النهاية على أنها حركة واقعية في الزمان‬
    ‫مع اللغة‪ .‬القسوة مع اللغة وركلها وب ّجها‪ ،‬هذه‬
    ‫سلوكا ٌت لا مجدية في بناء نقيض شعر ّي مثمر‪.‬‬       ‫والمكان‪ ،‬لكن كما أشرنا إن بنية اللغة الشعرية‬
  ‫لذلك نرى محمد عيد إبراهيم متنبّ ًها لذلك بطريقة‬
  ‫عفوية ولا يكاد حتى هو يشعر بها‪ .‬لكنها مبثوثة‬        ‫تتحرك حسب مشيئة وظيفة قصيدة النثر محققة‬
  ‫في احتفائه العالي بإرث اللغة وجمالياتها‪ ،‬رغم أنه‬
 ‫يمارس قصيدة النثر ذات الغايات اللغوية النقيضة‬        ‫أه ّم استحقاق لها‪ ،‬وهو أن يتحرك النص وفق لا‬
   ‫للإرث‪ .‬ولكن العلاقة الإبداعية الخلاقة مع اللغة‬                  ‫هدف ولا منطق‪.‬‬
                                                      ‫يمكن قراءة نص «أم ِس نم ُت مع القتيلة» استكما ًل‬
                                                      ‫لهذه القراءة أي ًضا‪ ،‬فهو ن ّص إيروتيك ّي| عدم ّي م ًعا‪،‬‬
                                                       ‫وبمنتهى الذكاء والخ ّفة‪ .‬وبهذين النصين نستطيع‬

                                                      ‫القول إن الجنسانية عند الشاعر ليست إلا وسيلة‬

                                                      ‫ثقافية لرفض العالم والانقضاض عليه بقسوة‪،‬‬
                                                                   ‫وليست جنسانية مس ّطحة تنتهي باللحم‪.‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31