Page 25 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 25

‫‪23‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

‫تلك العبارات التي تجمع رمو ًزا متعددة من أزمنة‬                       ‫تحكم العالم السفلي‪ .‬وبشكل مزيج بين الفانتازية‬
‫متباعدة‪ ،‬لكنها كدلالة أ ّدت ك ّل منها دورها‪ .‬أما‬
‫الغواية للشاعر‪ ،‬فهو يريد اللقاء بأنوث ٍة ما تع ّوضه‬                  ‫والسريالية الغير متعمدة يضعنا الشاعر أمام‬
 ‫عن أنوثا ٍت فجع بها واستحضرها في المقطع قبل‬                         ‫تكوين خليط عجيب ين ّقلنا فيه عبر الأزمنة ويشوش‬

                                                                     ‫علينا منطق تتابع الزمن‪ .‬فالنص الشعري هنا‬

    ‫النهائي من النص‪ .‬لم يبق إلا هذه الأنثى التي‬                      ‫يتشكل من كتلة لغوية عشوائية هي تلك التي بنيت‬

‫تتمشى مع رجل وكلبها في الحديقة‪ .‬قوة الغواية‬                          ‫عليها قصيدة النثر الأصيلة‪ ،‬هذه الكتلة تتحرك عبر‬

‫تدفع الشاعر إلى أن يكون هو المغوي أي ًضا‪ .‬ولكن‬                       ‫الزمن بصورة غير مقصودة ولا نظامية م ًعا‪ .‬بحيث‬
‫بماذا يغويها؟ يقول‪« :‬اح َتل ُت على المرأ ِة‪« :‬عندي‬                   ‫لا ينقلب النص إلى قصة ُتحكى‪ ،‬بل يبقى مص ًّرا على‬
‫حل َوى كال َّشهي ِق»‪ ،‬را ِس ًما مصي َر َحركتِنا و َخي َطينا‬          ‫شعريته داخل النص النثري القصيدة‪ .‬نجد أنفسنا‬
    ‫المُع َّط َرين‪ ،‬ما بي َن فاع ٍل َرحي ٍم ومفعو ٍل َرجي ٍم‪،‬‬
‫الهوا ِء‪،‬‬      ‫ُبهلُو ٌل‬  ‫بمنظو ٍر تجديد ٍّي‪ ،‬ي َتملّ ُك المالِ َك‪.‬‬  ‫في هذه النص أمام وشيعة زمنية من الحاضر‪ ،‬ومن‬
                            ‫و َتهلِي ٌل تح َت َكع ِب السما ِء»‪.‬‬
           ‫في‬                                                          ‫الماضي‪ ،‬من زمن مرئ ٍّي تعبر عنه الأحداث التي‬
                                                                     ‫يصوغها الشاعر وهو يراها بعينه المادية‪ ،‬ثم يقفز‬
                                                                     ‫بنا بوظيفة شعرية تخريبية إلى زم ٍن أسطور ٍّي ثم‬
           ‫الحقيقة أن الشاعر هنا ليس فقط يكسر‬

‫الرومانسية‪ ،‬بل يقدم لغته على أنها في أعلى درجات‬                      ‫يعيدنا بسلاسة إلى الواقع وكأن شيئًا لم يكن! يلعب‬

‫المكر والانحراف عن القانون الأدبي الذي لا يستقيم‬                     ‫الشاعر بحركة الزمن بحيث يخلع عنها إمكانية‬
    ‫أص ًل مع وظائف الشعر‪ .‬يتجلى هذا عبر هذه‬
                                                                     ‫التسلسل‪ ،‬مع أنه يريد في النهاية أن يقول شيئًا‬
                                                                     ‫متص ًل بما تراه عينه الآن وفي المكان‪ .‬ولكن هذا‬
‫الصورة تحدي ًدا‪ :‬يحتال على المرأة بحلوى كالشهيق!‬
    ‫نتخيل لو قال (عندي حلوى)! ستكون كارثة‬                            ‫المكان حتى لو كان له هيئة واقعية‪ ،‬فما يجري من‬

‫شعرية‪ .‬لكن كالشهيق‪ ،‬فتلك متعة شعرية صادمة‬                            ‫تكسير للزمن والحدث يجعل هذه الهيئة الواقعية‬

‫وقاسية وسريالية وبودليرية! نقول بودليرية‬                             ‫صورة متخيلة لتؤدي وظائف المكر الشعري ليس‬

‫ونعني أكثر من تجلي بودلير في لغة أو إحالة أو‬                         ‫إلا‪ .‬الشاعر يريد أن يصل إلى لحظة امتلاك للمرأة‬

‫رؤية‪ .‬إن بودلير قابع هنا في عيني الشاعر اللتين‬                                                 ‫التي هي‪:‬‬
                                                                     ‫«ف َق ِصير ٌة ِنسبيًّا‪َ ،‬هيفا ُء‪ُ ،‬مد ِبر ٌة‪ ،‬عك َس الرج ِل‪،‬‬
‫تحملقان في الحديقة ومكوناتها وتتحيّن الفرصة‬                          ‫فمؤ ِّخر ُتها ُمن َساب ٌة سيَّال ٌة َمس ُحوبة‪ ،‬ك ِجذ ٍع ما َل إلى‬
    ‫للإيقاع بحركة الوجود عبر الإيقاع بكائن ما‪،‬‬
                                                                     ‫َحبِي ٍب‪ ،‬أو قو ِس ِض ْل ٍع َذ ِبي ٍح‬
‫وبطريقة تشكل المعادل‬                                                                   ‫رقص ِة‬  ‫َيساس ُّمرباالتطاخ ِعد ِمُميانل‪ِ ،‬خأ ّفوَة‬
                                                                                          ‫في‬
‫الموضوعي لفكرة زهور‬

    ‫الشر! الشر الكامن‬                                                                  ‫َبفعيي َهاضضَلا َت ُِءخْ‪،‬يلال ِاو ِسرنيََّقكة ْي»ط‪.‬ه ٌةا‪ ،‬لكن المرأ َة‬

‫هنا في رفض الواقع‪،‬‬

‫وهجائه‪ ،‬والشهوة الذئبية‬

‫التي تدفع بالإنسان إلى‬

‫الوقوع في حادث امرأة‪.‬‬                                                                          ‫أنثى هذه صفاتها‬

‫ولكن من أجل ماذا؟ ليس‬                                                                          ‫لا ب ّد أن تشكل‬

‫من أجل أن يشعل لها‬                                                                             ‫غواية للشعر‬

‫شمعة ويسدل عليهما‬                                                                              ‫والشاعر‪ ،‬للشعر‬

‫ستارة زرقاء ويسمعها‬                                                                            ‫كانت تلك الغواية‬

‫أم كلثوم! بل لكي يحقق‬                                                                          ‫متمثلة بالإطاحة‬

‫في تلك اللحظة كينونة‬                                                                           ‫الشعرية بما يتهيأ‬

‫شاعر سحقته إناث‬                                                                                ‫للقارىء أنه زمن‬

‫سابقا ٌت‪ ،‬ويريد تعديل‬                                                                          ‫منطقي‪ ،‬فظهرت‬

                                                                     ‫محمد عيد إبراهيم‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30