Page 29 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 29

‫‪27‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                                 ‫د‪.‬كوثر اجلايلة‬

                                                          ‫(المغرب)‬

       ‫فن الترسل البلاغي عند الكلاعي‪..‬‬

         ‫«إحكام صنعة الكلام» أنموذ ًجا‬

    ‫هذه الصناعة ما لبثت أن أصابها الكساد في عصور الضعف الذي انتشر‪،‬‬
    ‫حتى كاد فن الترسل أن يندثر‪ ،‬لولا بعض الأدباء الذين أبقوا على حياته‬

        ‫بفضل ما سطرته أقلامهم من روائع‪ ،‬أما في وقتنا الراهن فقد صارت‬
        ‫كتابة الرسائل لا تحظر على بال أحد من الناس‪ ،‬ذلك أن التكنولوجيا‬
       ‫الحديثة قد قضت أو كادت تقضي على فن الترسل برسائل قصير ج ًّدا‬

                                           ‫تكتب على أجهزة الهاتف النقال‬

   ‫الكريم‪ ،‬ويكتبون رسائله التي كان يبعث بها إلى‬      ‫من الفنون التي تستحق أن تضاء في تاريخ‬
 ‫رؤساء القبائل‪ ،‬وملوك الدول‪ ،‬وقد كانت الرسالة‬
 ‫أول اتصال بالعالم الخارجي للرسول الكريم‪ ،‬ولم‬    ‫الأدب العربي نجد فن الترسل الذي ألفت فيه كتب‬
 ‫يكن لا الشعر ولا الخطابة قادرين على أداء الدور‬   ‫ودواوين كثيرة‪ .‬وازدهر وانتشر وذاع صيته في‬
  ‫العلمي الذي تؤديه الرسالة‪ ،‬حين تنقل ما يتصل‬       ‫القرنين الثالث والرابع الهجريين خاصة عندما‬
 ‫بسياسة الدولة من مراسيم سياسية أو توجيهات‬        ‫بلغت الحضارة العربية الإسلامية أوج عطائها في‬
 ‫أو تعليمات إدارية‪ .‬ومن هذا التاريخ نافس الكاتب‬   ‫مختلف مجالات الحياة‪ ،‬وهو فن نثري يظهر لهج‬

     ‫الشاعر والخطيب وأصبحت له منزلة خاصة‪.‬‬        ‫الكاتب وقدرته وموهبته في الكتابة وروعة أساليبه‬
  ‫وقد كان عبد الحميد الكاتب ذا معرفة سامقة في‬    ‫البيانية الدالة على معرفته السامقة وثقافته التي لا‬

    ‫عوالم فن الترسل وثقافة لا تنضب حتى غدت‬                                              ‫تنضب‪.‬‬
‫مكاتباته مضرب المثل في الجودة والإتقان‪ .‬وعندما‬      ‫ولم تكن الكتابة شائعة بين العرب في الجاهلية‪،‬‬
                                                     ‫ولهذا السبب لم يكن للرسائل دور في حياتهم‬
  ‫قامت الدولة العباسية أخذ خلفاؤها يولون كتابة‬     ‫الأدبية في ذلك العصر لقلة الدواعي إليها‪ .‬وإنما‬
   ‫الرسائل عناية أكثر من سابقيهم‪ ،‬ولهذا السبب‬     ‫كانت حضارة شعر وخطابة وحكم‪ .‬وعندما جاء‬
                                                 ‫الإسلام بدأ رسول الله (ص) يشجع المسلمين على‬
      ‫كثر الكتاب‪ ،‬ونبغ كثير منهم في فن الترسل‪،‬‬    ‫تعلم القراءة والكتابة‪ ،‬لذلك وجدناه في غزوة بدر‬
‫وازداد التنافس بينهم لأن العمل في ديوان الرسائل‬   ‫الكبرى يطلب ممن يحسنون الكتابة والقراءة من‬
                                                  ‫كفار قريش الذين كانوا أسرى في أيدي المسلمين‬
   ‫أصبح مصدر رزق لهم‪ ،‬وغدا ملم ًحا من ملامح‬
 ‫التفوق في فن الترسل وخصيصة إبداعية ووسيلة‬            ‫أن يعلموا عد ًدا لا بأس به من أبناء المسلمين‬
‫للحصول على ولاية أحد الأقاليم‪ ،‬بل أصبح مؤه ًل‬      ‫لقاء فدائهم‪ ،‬وذلك لخطر الكتابة وعظمة شأنها‪،‬‬
  ‫للوصول إلى منصب الوزارة‪ ،‬ونستحضر في هذا‬          ‫وقد اتخذ الرسول (ص) ُكتا ًبا يكتبون له القرآن‬
 ‫المجال أسماء‪ :‬يحيى بن خالد البرمكي‪ ،‬وأحمد بن‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34