Page 18 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 18

‫العـدد ‪25‬‬    ‫‪16‬‬

                                                        ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

   ‫تقترب ‪-‬بدرجات كبيرة‪ -‬من شخصية شهدي في‬               ‫الكويتية (ع ‪ 280‬بتاريخ ‪ 1‬يوليو ‪ )1989‬كان الحوار‬
  ‫الجزء الخاص بالموت‪ ،‬فقد استفاد من لحظة الموت‬         ‫خا ًّصا بمناسبة صدور الرواية في كتاب‪ ،‬بعد ‪ 13‬عا ًما‬

    ‫ومجابهة الجلادين‪ ،‬وهي لحظة فارقة ج ًّدا‪ ،‬وقد‬          ‫على صدورها مسلسلة؛ لم يتطرق فتحي غانم‪ ،‬إلى‬
     ‫وظفها جي ًدا‪ ،‬عبر مشهد سردي ملحمي بالمعنى‬         ‫الشخصية التي تناولها أو حتى لم يشر إلى ارتباطها‬

       ‫الإغريقي‪ ،‬يع ّد من الفرادة في أدبيات السجن؛‬        ‫باسم مح ّدد‪ ،‬على نحو ما نرى في رده على سؤال‪:‬‬
   ‫حيث الفرد في مقابل العصابة‪ ،‬الصلابة في مقابل‬             ‫‪ -‬كيف توفرت لديك المادة اللازمة للرواية؟ وما‬
‫الهشاشة والضعف والندالة‪ ،‬الكبرياء في مقابل الحقد‬
   ‫على الكبرياء والسعي إلى تحقيره وإذلاله‪ .‬وهو ما‬                                   ‫الباعث على كتابتها؟‬
  ‫دفع البعض إلى ا ّتخاذ مشهد الموت ‪-‬بكل حمولاته‬                                         ‫فكان رده هكذا‪:‬‬
‫الإيجابيّة المتمثّلة في كسر هيمنة الأذرع الإيديولوجية‬
    ‫للسلطة‪ -‬ذريعة لنسب الشخصية كاملة لشهدي‬             ‫‪« -‬بالنسبة لي كنت مهت ًما بتصوير ما يحدث وتقديم‬
                                                           ‫صورة واقعيّة وفنيّة في نفس الوقت لما يحدث في‬
        ‫عطية‪ .‬كما أنه استفاد من شخصية المهدوي‬
     ‫المأساوية‪ ،‬خا ّصة ما ذكره المهدوي من حكايات‬        ‫السجن‪ ،‬نتيجة لقاء حدث لي بالصدفة في النادي مع‬
                                                        ‫مجموعة من كبار الضباط الذين كانوا ُيشرفون على‬
              ‫خا ّصة باعتقاله‪ ،‬وما آل إليه مصيره‪.‬‬
‫في ظني أن فتحي غانم مزج بين شخصيتي إسماعيل‬                 ‫هذه العمليات في السجون‪ ،‬ثم أحيلوا إلى المعاش‪،‬‬
                                                          ‫وربما ظهر هذا فيما بعد في رواية «الأفيال»‪ ،‬لذلك‬
      ‫المهدوي وشخصية شهدي عطية‪ ،‬وخلق منهما‬                ‫فإن حكايتهم بالتفصيل عما حدث هي التي أثارت‬
  ‫شخصية روائية‪ ،‬والشاهد عندي هو ما ذكره غانم‬           ‫في نفسي الرغبة في كتابة «حكاية تو»‪ ،‬إنني اكتشف ُت‬
  ‫في الحوار السابق‪ :‬حيث فسر سبب تسمية الرواية‬           ‫أن هؤلاء الضباط بعد أن أحيلو إلى التقاعد‪ ،‬أصبحوا‬
                                                       ‫‪-‬جمي ًعا‪ -‬شديدي التدين‪ ،‬ك ٌّل يصلي الفرض بفرضه‪،‬‬
    ‫بتو‪ ،‬التي تعني اثنين بالإنجليزية‪ ،‬وهو ما يشير‬        ‫وحريص أي ًضا أن يحج إلى بيت الله‪ ،‬كأنه في قرراة‬
    ‫إلى حالة الصراع بين الأب والابن كما ذكر غانم‬
    ‫نفسه‪ .‬فالرواية تجيش بعلاقات ثنائية متناقضة‬                        ‫نفسه‪ ،‬يريد أن يتطهر من شيء ما»‪.‬‬
  ‫ومتصارعة‪ ،‬تمثل إحداها العلاقة بين الأب والابن‪،‬‬         ‫في هذا الحوار ث ّمة ملاحظة مهمة‪ ،‬مفادها‪ ،‬أن غانم‬
    ‫مثل علاقة شكري منصور السفير السابق وابنه‬
    ‫يسري المهندس المتخرج حديثًا‪ ،‬والذي واجه أباه‬             ‫لم يأت بسيرة شهدي عطية مباشرة‪ ،‬وإن كان‬
 ‫في النادي راف ًضا أي تدخل منه في شئونه الخاصة‪.‬‬          ‫م ّرر معلومة خاصة بأنه الرواية كانت تأ ُّث ًرا بمقتل‬
 ‫وعلاقة زهدي نفسه بابنه حسن‪ ،‬وقد انتهى التوتر‬
   ‫بينهما بهجرته إلى كندا‪ ،‬بالإضافة إلى موقف «تو»‬            ‫شخص ُيعذب داخل ال ّسجن‪ .‬وهو ما يعني أن‬
‫نفسه الغاضب من أبيه‪ ،‬فيح ّمله كل ما حدث لهم من‬            ‫الشخصية التي وقع عليها التعذيب «والد تو»‪ ،‬قد‬
‫دمار‪( .‬من الممكن مراجعة الحوار بينه وبين رؤوف‪،‬‬

               ‫وموقفه من أبيه‪ ،‬صص‪)107 -104‬‬
   ‫لكن في الأخير بغض النظر عن َمن هي الشخصية‬
 ‫الحقيقية التي كتب عنها فتحي غانم‪ ،‬فأهمية الرواية‬
  ‫تكمن في أنها تع ُّد واحد ًة من النصوص التي ُتع ّري‬
  ‫الدولة البوليسيّة‪ ،‬وأجهزتها الأيديولوجية‪ ،‬هذا من‬
 ‫جانب‪ ،‬ومن جانب ثا ٍن‪ ،‬في قدرة الرواية على تجسيد‬
   ‫هذا التصالح الذي عاش به الجلادون بعد انقضاء‬
    ‫عملهم‪ ،‬ورغبتهم في التطهر مما فعلوه‪ ،‬كنوع من‬

                              ‫الإفلات من الذنب!‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23