Page 16 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 16

‫العـدد ‪25‬‬    ‫‪14‬‬

                                                      ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

     ‫لجزء من جسدهن ومصادرة حقهن في الحرية‪،‬‬            ‫أولاد حارتنا فيما بعد‪ .‬وحسب اعتراف محفوظ فإن‬
 ‫ليكتبها لاح ًقا في رواية كاملة‪ .‬وعندما أرسله يوسف‬     ‫سلامة موسى و ّجهه «إلى شيئ ْين مهم ْين هما العلم‬
                                                       ‫والاشتراكية»‪ ،‬وهذا التأثير لم ينقطع بل كما يقول‪:‬‬
   ‫ال ِّسباعي في عام ‪ 1970‬مع وفد مصري إلى ألمانيا‪،‬‬
 ‫هناك بدأت الخيوط الأولى لهذه الحكاية التي سمعها‬              ‫«ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن»‪.‬‬
                                                      ‫وبهذا يكون الأصل البعيد للحكاية‪ ،‬ليس شخصيات‬
                                         ‫ساب ًقا‪.‬‬
‫ومع مرور نصف قرن على هذه الحادثة إ ّل أ ّن فيا ًضا‬        ‫لها وجود ملموس في الواقع المرجعي حتى ولو‬
                                                     ‫تباينت في المعالجة الفنيّة‪ ،‬وإنما أفكار وتأثيرات‪ ،‬وهذا‬
   ‫يقول‪« :‬لم يحن الوقت بعد‪ ،‬لأكشف عن شخصية‬            ‫جانب مهم‪ ،‬فلا يجب غ ّض الطرف عن تأثير الأفكار‬
 ‫هذه السيدة‪ ،‬وجنسيتها الحقيقية‪ ،‬واسمها الحقيقي‪،‬‬
                                                        ‫في تشكيل الحكاية‪ ،‬فنجيب نفسه استفاد من مادة‬
     ‫والأسماء الحقيقية لشخصيات هذه القصة التي‬          ‫محمود سليمان ومرر من خلال شخصيته الأفكار‬
‫صارت برغمي أمثولة بين قصصي»‪( .‬مجلة فصول‪:‬‬                ‫التي تشربها عن حرية الفرد‪ ،‬ودور السلطة ‪-‬كما‬

    ‫قصة القصة‪ ،‬ص‪ ،259‬عدد خصوصية الرواية‪،‬‬                  ‫يأمل‪ -‬في ترسيخ العدالة لا توسيع الفجوة بين‬
                                         ‫‪)1997‬‬                                    ‫طبقات المجتمع‪ ،‬إلخ‪.‬‬

    ‫الفكرة الأساسيّة للرواية‪ ،‬محورها حادثة الختان‬                ‫أصوات فياض‬
  ‫التي أصابت سليمان فياض بالدهشة‪ ،‬إلا أن النقاد‬
                                                           ‫تستمد رواية «أصوات» للكاتب سليمان فياض‬
     ‫باستثناء علي الراعي لم يلتفتوا لجوهر الحكاية‪،‬‬   ‫(‪ )2015 -1929‬جذورها من حكاية حقيقية‪ ،‬صدرت‬
     ‫وتعلّقوا بما حولها‪ ،‬وهو قصة لقاء الحضارات‪.‬‬
‫كتابة سليمان فيّاض كانت إدانة كاملة لعادة الختان‪،‬‬        ‫الرواية طبعتها الأولى في بغداد عام ‪( ،1972‬وإ ْن‬
 ‫ولم يكن مهت ًما بإبراز الصدام بين الحضارات الذي‬         ‫كان نشرها سهيل إدريس في مجلة الآداب كاملة‬
‫انشغل به نقاد الرواية‪ ،‬فف َّرغوا الرواية من مضمونها‬    ‫في عشرين صفحة‪ ،‬قبل نشرها في بغداد عن طريق‬
 ‫الحقيقي الذي كان يقصده فيّاض‪ .‬وقد جاء حضور‬          ‫الدكتور صبري حافظ)‪ ،‬واُعتبرت الرواية من منظور‬
  ‫الشخصية كأجنبية امتثا ًل لماهيتها في الواقع‪ .‬وهو‬    ‫النقاد واحدة من الروايات التي ُتعالج صراع الشرق‬
   ‫ما أوقع الرواية في مآزق عديدة على نحو ما حدث‬      ‫والغرب‪ ،‬حيث انتقل موطن الصدام إلى الشرق عندما‬
      ‫معها عند الترجمة‪ ،‬فقد اتخذها الغرب نموذ ًجا‬       ‫عاد حامد البحيري بزوجته سيمون الفرنسية إلى‬
    ‫لإظهار بشاعة الدين الإسلامي‪ ،‬حيث ربطوا بين‬       ‫قريته‪ ،‬وما تعرضت له من ختان َأ ْو َدى بحياتها‪ .‬وهو‬
  ‫الختان والدين الإسلامي‪ ،‬كما يقول فياض‪ ،‬وأي ًضا‬       ‫ما كشف عن تعرية ُروح الجاهلية التي كانت تحكم‬
   ‫أعرض عنها المنتجون الذين رغبوا في تحويلها إلى‬
 ‫عمل سينمائي‪ ،‬بسبب حساسية الشخصية‪ ،‬فطالبوا‬                 ‫الريف المصري آنذاك (وما زالت مع الأسف)‪.‬‬
                                                     ‫الرواية ‪-‬في أصلها‪ -‬كما يكشف فيّاض في شهادة له‬
            ‫فياض بأن يجعلها ريفيّة إلا أنه رفض‪.‬‬       ‫‪-‬نشرتها مجلة فصول في عدد خصوصية الرواية‪-‬‬

              ‫حكاية تو‬                                    ‫تعود قصتها إلى عام ‪ 1958‬حيث َذ َه َب سليمان‬
                                                         ‫فيّاض إلى زيارة إحدى مدن الدلتا‪ ،‬وعلى الأخص‬
‫انتهى فتحي غانم من روايته القصيرة –‪ 120‬صفحة‬               ‫قرية ال ّشعراء للقاء صديق هناك‪ ،‬وأثناء تواجده‬
‫من القطع المتوسط‪« -‬حكاية تو» عام ‪،1973 -1972‬‬            ‫استمع لحكاية حدثت عام ‪ 1948‬عن ابن ِمن أبناء‬
 ‫وصدرت من ّجمة عام ‪ 1974‬في مجلة روز اليوسف‪،‬‬              ‫هذه القرية وفد من الخارج مع زوجته الأجنبية‪،‬‬
                                                       ‫وقامت نساء القرية بإجراء عملية ختان مريعة لها‪،‬‬
    ‫لكن تأ ّخر صدورها في كتاب إلى عام ‪ ،1987‬وقد‬        ‫بقدر الاندهاش الذي أبداه سليمان فياض للحكاية‪،‬‬
   ‫صدرت في طبعتها الأولى عن مؤسسة دار الهلال‪.‬‬          ‫إلا أ ّنه ف ّسر الواقعة بأنها نو ٌع من الح ّد الذي قامت‬
‫َيعتبر فتحي غانم روايته «حكاية تو» إرهاصة لرواية‬        ‫نساء القرية بتطبيقه ض ّد ما حدث له ّن من اقتطاع‬
   ‫الأفيال‪ ،‬التي كتبها فيما بعد‪ ،‬وصدرت عام ‪.1981‬‬

    ‫اختيار عام ‪ 1974‬لنشر الرواية مسلسلة‪ ،‬يرجع‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21